كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

القرآن، وكل البلايا وكل الشر من أن يسبق في الذهن تفسير الصفة بما لا يليق، فإذا سبق في الذهن تفسير الصفة بتفسير قذر نجس فيه تشبيه اضطر الإنسان المسكين إلى أن ينفيها، فإذا وضعتم مثلاً مقارنة بين مذهب السلف الذي كان عليه السلف الصالح، من الإيمان بالصفات إيماناً مبنيّاً على أساس التنزيه، والتصديق بها، كما قال الإمام مالك لما قال له الرجل: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف اسْتَوَى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأمر أن يُخرج عنه (¬1).
فالسلف الصالح رضي الله عنهم من القرون المشهود لهم بالخير، قبل أن يظهر في الوجود الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، ما كان في الدنيا ولا في العلماء أحد ينفي شيئاً من صفات الله، ولا يفسرها بمعنى غير لائق، بل جميع الأمة إذا سمعوا الوصف مسنداً إلى الله امتلأت قلوبهم من الإجْلَالِ والإعْظَامِ، وعَلِمُوا أَنَّ ذلك الوصف لا يُشْبِه شيئاً من صفات المخلوقين، وأنه بالغ من غايات الكمال والجلال ما يقطع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فَهَانَ عليهم الإيمان به؛ لأن إثبات الأوصاف الكريمة لله هَيِّنٌ على كل مسلم.
أما إذا فسر الصفة بتفسير خبيث يرمي إلى التشبيه، ويُدَّعَى أن ظاهره التشبيه، فمن هنا تأتي البلايا وتأتي الويلات، ويقع الإنسان في مَشَاكل؛ لأنه إذا تنجس القلب بِقَذَرِ التشبيه اضطر إلى أن ينفي الصفة. ونضع -مثلاً- مقارنة: الله تعالى- مثلاً- قال:
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (52) من سورة الأنعام.

الصفحة 577