كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: آية 5]، وقال: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: آية 158]، وقال: {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: آية 284]، فالسَّلَفي يقول: هذه القدرة منزهة عن قُدر المخلوقين وشبهها، وهذا الاستواء منزه عن استواء المخلوقين، لا يشبهه في شيء من المشابهة، وهذا الإتيان إتيان لائق بكمال الله وجلاله، مُنَزَّه عن كل ما يخطر في العقول من إتيان البشر، فإذا كان قلبه ممتلئًا من الإعظام والإجلال، وحمل هذه المعاني على المعاني اللائقة الكريمة الجليلة اللائقة بالله، المنزهة عن كل ما لا يليق، كان أولاً: مُنَزِّهًا، وكان ثانيًا: مؤمناً غير جاحد ولا مُعَطّل.
مثلاً كان السلف الصالح إذا سمعوا {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: آية 5]، يقول: هذا الاستواء بالغ من غايات الكمال والجلال والعظمة واللياقة بالله ما يقطع جميع أوهام علائق المشابهة بَيْنَهُ وبَيْنَ صفات المخلوقين، ومن هم المخلوقون حتى يُشبه استواء الله باستوائهم؟ وهم أثر من آثار قدرته، وصنعة من صنعته، والصنعة لا تشبه صانعها! فإذا حملوا الاستواء على المعنى العظيم اللائق بجلال الله المُنَزَّه عن كل استواء للمخلوقين يخطر في ذِهْن الإنسان، كان الإيمان بذلك الاستواء سهلًا عليهم؛ لأنهم يحملونه على معنى شريف كريم لائق بجلال الله، وإذا سُئل أدنى الناس عقلاً، سُئل مُطْلَق عاقلٍ، وقيل له: يا إنسان، إذا وصف الله نفسه بوصف يمدح به نفسه فما الظاهر المتبادر من ذلك الوصف؟ أظاهره المتبادر منه أنه في غاية الكمال والجلال والتنزيه واللياقة بالله حتى نقرّه على ظاهره الكريم إيماناً وتنزيهاً؟ أو ظاهره أنه يشبه صفات الخلق، وأنه قذر نجس حتى نحتج إلى أن ننفيه بالتأويلات، ونثبت

الصفحة 578