كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

شيئاً بدله؟! فلا شك أن أطرف مؤمن يقول: كل وصف أُسند لله فهو بالغ من غايات الكمال والجلال ما يقطع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين.
والأعراب البدو في زمن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا سمعوا صفة من هذه الصفات، كالاستواء والنزول، وكصفة اليد ونحوها لا يخطر في أذهانهم صفة المخلوق؛ لأنهم يعرفون أن مخالفة الرازق للمرزوق، ومخالفة الخالق للمخلوق، ومخالفة المُحيي للمُحْيَا، ومخالفة المُميت للمُمات تجعل بين صفاتهم مخالفات هائلة لا يعلمها إلا الله، فلا يفهمون من صفة هذا أنها تميل إلى شيء من صفة ذلك؛ إذ لا مناسبة بين الخلق وخالقه، وهم أثر من آثار قدرته وإرادته.
إذاً فنعرف أن مذهب السلف هو المذهب الصحيح؛ لأن صاحبه أولاً: كان قلبه ممتلئاً من تعظيم الله وإجلال الله، سالماً من أقذار التشبيه، يحمل استواء الله، ونزول الله وإتيان الله على أكمل المعاني وأجْمَلِهَا وألْيَقِهَا وأنْزَهِهَا عن مشابهة المخلوقين، ثم إنه يؤمن بها على أساس هذا التنزيه، على غرار: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11]، ويكون أولاً: منزّهاً، وثانيًا: مؤمناً مصدقاً، ثم يقطع طمعه عن إدراك الكيفية؛ لأن الله يقول: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110)} [طه: آية 110].
فلو تنطع متنطع وقال: نحن لا نعقل نزولاً، ولا مجيئاً، ولا استواء، ولا قدرة إلا يشابه صفات المخلوقين، فبيّنوا لنا كيْفِيَّةً مُنَزَّهة لنعقلها! فنقول: فلا نقول كما قال مالك (¬1): السؤال عن هذا بدعة،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (52) من سورة الأنعام.

الصفحة 579