كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

بل نتنَزَّل معه ونقول له: يا مسكين، أعرفت كيفية الذات الكريمة المقدَّسة، المتصفة بهذه الصفات؟! فلا بد أن يقول: لا، فنقول: معرفة كيفية الاتصاف متوقفة على معرفة كيفية الذات! فسبحان من تَعَاظَمَ وتَكَبَّرَ وتنَزَّه عن كل ما لا يليق، وعن كل مشابهة الحوادث من جميع وجوهها، وهو (جل وعلا) متصف بصفات الكمال والجلال.
أما الذي يسمونه مذهب الخلف مثلاً -ويزعم كثير أنه أعلم وأحكم- فإنه إذا خطر في قلب الواحد: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: آية 5] قال: هذا الاستواء ظاهره تشبيه الخلق، كاستوائي على هذا السرير، فيكون أولاً: قد ظلم نصوص القرآن، وحملها على محامل غير شريفة وغير لائقة بالله؛ لأن كون النص ظاهره التشبيه فهذا معنى بالنسبة إلى الله معنى قذر نجس وسخ؛ لأن خالق السماوات والأرض لا يشبه شيئاً من خلقه، فكان هذا أول الضرر وأول السوء. وهو الفهم من النصوص أنها تدل على معانٍ غير لائقة، ثم إذَا تَقَرَّرَ في ذِهْنِهِ أن ظاهر هذا النص أنه كاستواء المخلوق، اضطر المسكين إلى أن يَنْفِيَهُ؛ لأنه لا أحد يقول: (لا إله إلا الله) يرضى أن يَثْبُتَ لله وصف غير لائق، فينفي الاستواء عن نفسه، فيكون الوصف الذي مدح الله به نفسه قد ظلم هذا الإنسان القرآنَ، وجعل أن ظاهره قذر وسخ نجس، وهو مشابهة المخلوقين، ثم يجرّه شؤم هذا التشبيه إلى أن ينفي الاستواء، ويقول: الاستواء ممنوع، ولا يمكن أن يكون؛ لأن فيه نقصاً لله، ومشابهة للمخلوقين! فيكون قد ظلم أولاً القرآن، وحمل ما مدح الله به نفسه على الذم، وهذا لا يليق بالله، بل الاستواء الذي مدح الله به نفسه في غاية الكمال والجلال، والبعد عن مشابهة المخلوقين، والنزاهة

الصفحة 580