كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الكاملة عن أي تشبيه كائناً ما كان، ثم إنه إذا نفى الاستواء يريد أن يأتي ببدل من تلْقَاء نفسه، فيقول: معناه: (استولى). فنقول له: يا مسكين، أولاً: ظلمت الوحي، وادَّعَيْتَ على نصوص الوحي أن ظاهرها التشبيه، والله يعلم أنها بريئة من ذلك، بل ظاهرها التنزيه، ثم نفيتها من تلقاء نفسك بلا دليل من كتاب وسنة، ثم جئت بمعنى من عند نفسك وهو (استولى)، فنقول لك يا مسكين: قد شبهت الله باستيلاء خلقه؛ لأنك إذا وصَفْتَهُ بالاستيلاء فقد شبهته باستيلاء العرفجي على حماره، وباستيلاء الأمير على جيشه، وباستيلاء بِشْرٍ على العراق، الذي أنشدوا له البيت (¬1):
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
فنقول: قد ماثلْتَ استواء الله باستواء بِشْر! فرجعت إلى التمثيل! فإذا قال: استواء الله منزه عن استواء بِشْر، فنقول: كذلك يا مسكين كان ينبغي أن تقوله في الأول، وتعلم أن نفس الاستواء الذي مدح الله به نفسه أنه بالغ من غايات الكمال والجلال ما يقطع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين.
فعلينا معاشر المؤمنين أن نعرف الحق، ونعرف من ضوء القرآن عقيدة السلف، ونعلم أن الله لا يمدح نفسه إلا بوصف كريم، وأن الاستواء الذي مدح به نفسه بالغ من غايات الكمال والجلال ما يقطع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فهو في غاية النزاهة والكمال وعدم المشابهة، فنقرّه على ظاهره مِنَ الْكَمَال واللياقة بالله، ونعلم أن وصف الله لا يمكن أن يُشبه وصف مخلوق،
¬_________
(¬1) البيت في البيت في تفيسير قاتل (5/ 103، 192)، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي صـ36، اللسان، مادة: (سوى) 2/ 248).

الصفحة 581