كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وأن الله لا يمدح نفسه بوصف فيه تشبيه ولا فيه محذور، ولا يلزم منه مشابهة مخلوق، بل هو استواء لائق بالله، كقدرته وإرادته وعلمه وسمعه وبصره، مخالف لاستواء المخلوقين كمخالفة ذات الله لذوات المخلوقين، فنكون أولاً عَدَلْنَا وأقْسَطْنَا مع النصوص، فحملناها على معانيها الكريمة الشريفة اللائقة بالله، وآمنا بذلك التَّنْزِيه.
أما هؤلاء الذين يقولون: ظاهر الاستواء أنه كاستواء المخلوقين، فقد ابتدؤوا أولاً بظلم النصوص، وحملوها على معانٍ خبيثة غير لائقة، لا يمدح الله بها نفسه، ثم جرهم هذا التشبيه إلى أن نفوها وجاؤوا ببدلها.
وهذا الذي جاؤوا به فيه من التشبيه أكثر مما فرّوا منه أولاً، فالذي يقول: الاستواء ظاهره كاستواء المخلوق ثم ينفيه بهذا الظاهر المحذوف، ويؤوله بالاستيلاء، وأن معناه (استولى).
فنقول له: رجعت النتيجة في حافرتها، أن استواء بِشْر معناه: استيلاء بِشر على العراق. فنقول: قد شبهت استيلاء الله على عرشه باستيلاء بِشْر على العراق، والاستيلاء كذلك صفة من صفات الخلق، فالعرفجي يستولي على حماره، والأمير يستولي على الجيش، والمالك يستولي على دابته، فالاستيلاء الذي فسرت به الاستواء هو أوغل في التشبيه من الاستواء.
فإذا قال: هذا الاستيلاء الذي فسرت به الاستواء استيلاء مُنَزَّه عن استيلاء المخلوقين، قلنا له: كان مِنْ حَقِّكَ أن تقول هذا من أوَّلٍ، قبل أن تقع فيما وقعت فيه، وتقول: استواء الله مُنَزَّه عن مشابهة استواء المخلوقين.

الصفحة 582