كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

فعلينا جميعًا أن نعلم أن الاعتقاد الذي كان عليه السلف الصالح قبل ظهور الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، هو على هذه الأسس الثلاث: أولها: وهو الحجر الأساسي العظيم: تنزيه خالق السماوات والأرض عن أن يُشْبِهَ شيئاً من خَلْقِهِ بشيء من ذَوَاتِهِمْ وصفاتهم وأفعالهم، وحمل معاني القرآن والسنة على المعاني الشريفة اللائقة بالله كل اللياقة، المناسبة لعظمته وجلاله وكبريائه، ثم نؤمن بها إيماناً مبنيّاً على أساس التنزيه، وكل هذا التعليم حصره الله لنا في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11] فإنا لا نعلم في الدنيا سمعاً ولا بصراً إلا هما حادثان خسيسان، يموت صاحبهما ويأكلهما الدود! فإذا كنا نذهب بكل شيء فلقائل أن يقول: السمع والبصر ظاهره التشبيه بسمع الحمار وبصره، وسمع الإنسان وبصره، فَلْنَنفِه ونثبت غيره، ولا فرق بين الصفات.
والحاصل أن الله حق وصفاته حق، وأن المخلوقين حق وصفاتهم حق، وأن صفة الخالق لائقة بذات الخالق، وصفة المخلوق مناسبة لذات المخلوق، وبين صفة الخالق والمخلوق من المنافاة كَمِثْلِ ما بين ذات الخالق والمخلوق، فنحن نثبت الصفات لله مُصَدِّقِينَ رَبَّنَا، ومصدقين نبينا [- صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به، مراعين في ذلك الإثبات ما بيّنه الله (تعالى) في كتابه، ذلك البيان الأوضح] (¬1) والتعليم الأكبر، والمغزى الأعظم حيث جاء بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} بعد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: آية 11] فإن
¬_________
(¬1) في هذا الموضع وقع انقطاع في التسجيل، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.

الصفحة 583