كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)} [الأنعام: آية 158].
تكلمنا على أول هذه الآية، ونبدأ الكلام الآن من قوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} والمعنى: ما ينتظر هؤلاء الكفار إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتيهم خالق السماوات والأرض لفصل الخطاب، عندما تشرق الأرض بنور ربّها {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: آية 69]، {وَجَاء رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22)} [البقرة: آية 22] {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} [البقرة: آية 210] وقد تكلمنا على ما دل عليه القرآن في آيات الصفات وأحاديثها.
وقوله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} أي: يأتيهم بعض آيات ربك، والمراد بذلك البعض: البعض الذي إذا جاء لا يُقبل من كافر إيمان، ولا من مذنب توبة.
فهذه تخاويف وتهديدات عظيمة، تهديد بمجيء الملائكة لقبض الأرواح، وبإتيان خالق السماوات والأرض لفصل القضاء، وبإتيان الآيات التي يمتنع عند مجيئها إيمان الكافر، وتوبة العاصي {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} هذا البعض هنا كأنه مبهم، أبهمه هنا ثم فصّله بأنه البعض الذي إذا جاء لا يقبل من كافر إيمان، ولا يقبل من عاص توبة، بل يغلق باب التوبة بمصراعيه، حتى كأنه لم يكن بينهما فتح قط، وتختم الأعمال على ما كان، وتضع الحفظة أقلامها، ويبقى الناس إلى ذلك الوقت على ما قَدّموا، وهذا معنى قوله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}.

الصفحة 589