كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{وهُوَ} جل وعلا {يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: آية 103]، أي: يُحِيطُ بها عِلْمًا وَبَصَرًا.
وهذه الآيةُ تدلُّ على أن الخلقَ لاَ يُحِيطُونَ بكيفيةِ البصرِ، ولا يعلمونَ كيفيةَ هذا النورِ، وحقيقةَ هذا النورِ الذي جَعَلَهُ اللَّهُ في العينِ تُبْصِرُ به المرئياتِ. لاَ يُبْصِرُ الِإنسانُ بيدِه ولاَ بأنفِه ولاَ بِجَبْهَتِهِ ولاَ بِرِجْلِهِ، وإنما يُبْصِرُ بخصوصِ عَيْنِهِ. فهذا المعنَى الذي أَوْدَعَهُ اللَّهُ في العينِ لاَ تحيطُ الناسُ بكُنْهِ كيفيتِه ولاَ حقيقتِه، واللَّهُ (جل وعلا) يُدْرِكُهُ، أي: يحيطُ به ويراه ويعلمُ حقيقتَه (جل وعلا). وهذا معنَى قولِه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}.
{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} أصلُ (اللطيفِ): (فَعِيل) من اللُّطْفِ. واللُّطْفُ أصلُه في لغةِ العربِ: هو إيصالُ النفعِ والإكرامِ والبِرِّ بالطرقِ الخفيةِ (¬1). فَكُلُّ ما يُوصِلُ إليكَ النفعَ والْبِرَّ والإحسانَ فإنه لطيفٌ بِكَ. والعربُ تقولُ: صَدِيقٌ مُلاطِفٌ. إذا كان يلاطفُك بالبرِّ والإحسانِ والإكرامِ.
وَسُئِلَ بعضُ علماءِ العربيةِ عن: (صديقِك المُلاطِفِ) ما معنَى كونِه مُلاَطِفًا لَكَ؟
أَجَابَ: بأن الصديقَ الْمُلاَطِفَ ينطبقُ عليه قولُ الراجزِ (¬2):
إِنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ يَسْعَى مَعَكْ ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: لطف) ص740، الكليات ص 797.
(¬2) هذا الرجز في المستطرف للأبشيهي (1/ 136)، ويُنسب لعبد الملك بن مروان، ونسبه ابن خميس في الشوارد (2/ 76) إلى القرشي، وهو في جمهرة الأمثال للعسكري (1/ 58) بلا نسبة.

الصفحة 59