كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وهذا البعض الذي هُدِّدُوا بإتيانه قال فيه: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} أي: بعض علاماته العظام الكبرى، فالآية هنا من معنى العلامة.
{لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ} إذا أرَادَتْ أنْ تُجَدِّدَ الإيمان بعد إتيان بعض تلك الآيات لا ينفع منها ذلك الإيمان، وجماهير علماء التفسير، والأحاديث الصحيحة دلت على أن المراد ببعض الآيات التي إذا جاءت لا يُقبل إيمان من كافر، ولا توبة من عاص، أن المُراد به طلوع الشمس من مغربها (¬1)؛ لأن الشمس ستطلع يوماً من مغربها يقيناً، كما تواترت به الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ثابت في الصحاح، في الصحيحين وغيرهما، وفي صحيح البخاري: أنها إذا طلعت من مغربها فرآها الناس آمن جميع مَنْ عَلَى وَجْهِ الأرض، ولم يكن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت (¬2).
وهذا فيه إشكالات معروفة؛ لأن الأحاديث الصحيحة هنا فيها إشكالات معروفة، ونحن في الحقيقة لم نر مَنْ حَرَّرَ المقام فيها تحريراً شافيًا (¬3)؛ لأن كون الآية التي إذا أتت هي طلوع الشمس مِنْ مَغْرِبِهَا، هذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، وهو يدل على أن طلوع الشمس من مغربها ليس أول الآيات، وأن مجيء الدجال يُقْبَل بعده إيمان الكافر وتوبة العاصي، ونزول عيسى يُقبل بعده إيمان
¬_________
(¬1) انظر: تفسير ابن جرير (12/ 245)، القرطبي (7/ 145).
(¬2) أخرجه البخاري في الرقاق، حديث رقم (6506)، (11/ 352)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، حديث رقم: (157)، (1/ 137) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(¬3) انظر: فتح الباري (11/ 353 - 357)، التذكرة للقرطبي ص 707.

الصفحة 590