كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

يقولون: إن حالة الشمس والقمر دائبة لا تتغير ولا يعروها تغير، فسيرى الحاضرون منهم لذلك الوقت أنها تتغير، وأنها تطلع صباحاً من مغربها كما كانت تطلع مِنْ مَشْرقها، ويعلمون أن لها صانعاً حكيماً مُدَبِّراً، هو الذي يجريها كيف يشاء، على النحو الذي يشاء.
ووجه إشكال حديث مسلم: أن حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» (¬1) وطلوع الشمس من مغربها لا خلاف بين العلماء أنه من بعض الآيات التي إذا جاءت لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمَنَتْ مِنْ قبل، فيلزم على هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا إيمان ولا توبة أيام الدجال وعيسى، وهذا خلاف التحقيق، فالحديث مشكل.
والحديث الثاني: هو مَا ثَبَتَ في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: «ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً» وذكر الثلاث فقال: «الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» (¬2). فعلى مقتضى هذا الحديث الثابت في صحيح مسلم أن العمل لا يقبل أيضاً بعد الدجال، وهو خلاف الظاهر والتحقيق، وقد ذكرنا أنا لَمْ نَرَ مِمَّنْ تكلموا على أحاديث مسلم من شفى الغليل في هذا شفاء واضحاً تتفق به الأحاديث مع الواقع، والذي يظهر لنا -والله تعالى أعلم- أن الآيات العظام الكبار على نوعين (¬3):
¬_________
(¬1) مضى قريبًا.
(¬2) مضى قريباً.
(¬3) انظر الفتح (11/ 353).

الصفحة 595