كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الدَّجَّال، يعني: أول الأحداث الأرضية، التي تكون في الأرض، تؤذن بأمور عظام، وقرب انقضاء الدنيا، وأن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات التي هِيَ مِنَ العالم العلوي، المؤذنة بزوال العالم العلوي وانقضائه. فيكون كون الشمس أول الآيات يعني باعتبار ما هو من جِنْسِهَا، كتَغْيِير العالم العلوي، ويكون الدجال أول الآيات باعتبار العالم الأرضي.
وعلى كل حال فالشمس إذا طلعت من مَغْرِبها أُغلِق باب التوبة، وطلوع الشمس والدابة مترادفان بينهما قليل، جاء في بعض الأحاديث أن الشمس إذا طلعت مِنْ مَغْرِبِهَا خرجت الدابة ضحى (¬1)، والدابة هي التي يأتي ذكرها في النمل، في قوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ إنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} وفي القراءة الأخرى: {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا} الآية (¬2) [النمل: آية 82]، قال بعض العلماء (¬3): والحكمة في إتيان الدابة بعد الشمس: أن الشمس إذا طلعت من مغربها خُتِم على الأعمال، ولم يقبل من كافر إيمان، ولم يقبل من عاص توبة، وانقطع تجديد إيمان جديد، أو توبة جديدة، فيرسل الله بعد ذلك الدابة، فتكتب على جبهة كل إنسان: (سعيد) أو (شقي) يعرفه من يراه، لتبين حال الناس عند انقطاع أعمالهم، من هو الكافر منهم ومن هو السعيد؟ والحاصل: أن أكثر أهل العلم، والأحاديث الصحيحة دَلَّتْ على أن الآية التي إذا جاءت لا يُقبل من أحد إيمان: هو طلوع الشمس من
¬_________
(¬1) وهو حديث عبد الله بن عمرو، وقد مضى قريباً.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران ص (335).
(¬3) انظر: فتح الباري (11/ 353).

الصفحة 597