كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وإنما قال: {وَاحِدَةٍ} بالتاءِ الفارقةِ بين الذكرِ والأنثى مع أن آدمَ ذَكَرٌ (¬1) لأنه أَطْلَقَ عليه اسمَ النفسِ، فهو تَأْنِيثٌ لفظيٌّ لاَ حقيقيٌّ، كقولِ الشاعرِ (¬2):
أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى ... وَأَنْتَ خَلِيْفَةٌ ذَاكَ الْكَمَالُ

هذه النفسُ الواحدةُ هي: آدمُ. واللَّهُ (جل وعلا) أَرْشَدَنَا في هذه الآيةِ إلى أَنْ نتأملَ وَنَتَعَقَّلَ مِمَّ خُلِقْنَا، وما العنصرُ والأصلُ الذي خُلِقْنَا منه؛ لنعرفَ أقدارَنا، ونعرفَ عظمةَ ربنا، فأولُ مَنْشَئِنَا تُرابٌ بَلَّهُ اللَّهُ (تبارك وتعالى) بماءٍ، هذا الأصلُ الأولُ لنا، كما قال: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ تُرَابٍ} [الحج: آية 5]، أَخَذَ اللَّهُ تُرَابًا فَبَلَّه بماءٍ، فَلَمَّا بُلَّ وَعُجِنَ بالماءِ صارَ طينًا؛ وَلِذَا قال تارةً: {خَلَقَكُم مِّنْ تُرَابٍ} [الروم: آية 20]، وتارةً: {مِّنْ طِينٍ} [الأنعام: آية 2]. ثم إن اللَّهَ (جل وعلا) ذَكَرَ أحوالَ ذلك الطينِ، مرةً قَالَ: {مِّنْ طِينٍ لاَّزِبٍ} [الصافات: آية 11] يَلْزَقُ باليدِ إذا مَسَّهُ الإنسانُ، بَيَّنَ أنه: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: آية 26]، ثم بَيَّنَ أن ذلك الطينَ يبسَ فصارَ صلصالاً كالفخارِ، تسمعُ له صلصلةً إذا قَرَعَهُ شيءٌ، ثم خَلَقَ من ذلك الطينِ -الذي أصلُه ماءٌ وترابٌ، خَلَقَ منه- بَشَرًا سَوِيًّا، ذا لحمٍ وعظامٍ وَدَمٍ، هو أَبُونَا (آدمُ) المرادُ بقولِه هنا: {أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأنعام: آية 98]، ثم خَلَقَ من آدمَ امرأتَه (حواءَ) أُمَّنَا، خَلَقَهَا من زوجِها آدَمَ، وقد نَصَّ على ذلك في آياتٍ كثيرةٍ (¬3) كقولِه في أولِ سورةِ النساءِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (73) من سورة البقرة.
(¬2) السابق.
(¬3) انظر: الأضواء (2/ 205).

الصفحة 6