كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

السافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم من الأجر ما كان يُكتب لهم، هذا وجه في الآية، ولكن الوجه الصحيح فيها عند المفسرين: أن معنى: {رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي: جعلناه إلى دركات النار {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} وهو الجنة، وهذا معنى قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا}، {نَفْساً} لم تكن آمنت من قبل لا ينفعها إيمان جديد بعد طلوع الشمس من مغربها، وقد ثبت في الصحيح أنها إذا طلعت مِنْ مَغْرِبِهَا آمن كل مَنْ عَلَى وجه الأرض مِنَ البشر بالله (جلّ وعلا) (¬1)، ولكنه إيمان غير مقبول؛ لأنهم ما آمنوا حتى فات الوقت وانتهت المدة، وانقضت الفرصة {لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ}، ولا ينفع نفساً عاملة للخير لم تكن عملت في إيمانها السابق خيراً، فالذي ينفع: الإيمان السابق، وعمل الخير السابق في الإيمان، أما العمل الذي يُجَدّد بعد الطلوع، والإيمان الذي يُجَدّد بعد الطلوع فلا ينفع، واستثنى بعض العلماء من هذا مَنْ طَلَعت عليه الشمس وهو مستقيم على اجتناب نواهي الله، وامتثال أوامره، أنه يكتب له ما كان يعمل، وقال بعضهم (¬2):
إن المؤمن تُقبل توبته لإيمانه السابق، وظاهر الآية خلاف ذلك، وأنها إذا جاءت خُتم لكل بما كان يعمل، وانقضى العمل، فمَنْ جَاءَتْه وهو على الإسلام والخير فهو إلى الجنة، ومن جاءته على الشَّرِّ والكفر -عياذاً بالله- فهو إلى النار، ولا تقال لأحد عثرة، ولا تقبل منه توبة بعد نزول الآيات، وهذا معنى قوله: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}.
¬_________
(¬1) مضى قريباً.
(¬2) انظر: التذكرة للقرطبي ص (706) ..

الصفحة 600