كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

آية 103] فالأكثرية أهل النار، وهي التي منها هذه البدع والأهواء والفِرَق الضَّالَّة الزائغة عن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والهدى لا يخفى:
الَحقُّ أَبْلَجُ لَا تَزِيغُ سَبِيلُهُ ... وَالَحقُّ يَعْرِفُهُ أُولُو الْأَلْبَابِ (¬1)
لأن من هو على هدي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ؛ لأنه خال من الابتداع، والدعاوى الكاذبة، والتضليلات، والتخريفات، والتَّهْرِيجات الزائفة، بل هو على صراط مستقيم، عامِل بهدي رسول الله، عارف أوَامِرَ القرآن ونَوَاهيه، عالم بسنة رسول الله وبأحكامها، متبع ما جاء عن الله، مؤتمر بأوامر الله، مُنْزَجِر عما زجر الله عنه، على المحَجَّةِ البَيْضَاءِ، سالم من الدَّعَاوى الخرافية، والضلالات المبتدعة التي لم يعرف لها عهد في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فالفرقة الناجية: هي التي كانت على ما عليه النبي وأصحابه من العقيدة الصحيحة، وامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه على الوجه الصحيح الكامل، فالصحابة (رضي الله عنهم) لم يدّعوا شيئاً مما يَدَّعِيهِ المضلِّلُون من أنهم يرون النبي يقظة ويجتمعون به دائما! لم يقولوا شيئاً من ذلك لصدقهم وعدالتهم، هذا أمير المسلمين في زمانه: عثمان بن عفان أعَزّ فتى في قريش، وهو أمير المؤمنين، والإسلام في شدة قوته، ولما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب أن يذهب بالهدايا إلى مكة لما حاصروهم في الحديبية قال له: أنا لا أستطيع؛ لأن بني عدي لا يمكن أن يمنعوني مِنْ قُرَيْشٍ، ولَكِن أدلك على رجل أعز مني، وهو عثمان بن عفان، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعزته ومكانته في قريش، وأرسل معه الهدايا وتلقاه بنو
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (158) من هذه السورة.

الصفحة 604