كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

يعني: أَنَا بريء منك، وأنت بريء مني.
ثم قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ} إنما أمرهم ومصيرهم إلى رَبِّهِمْ، فالله هو الذي حَكَمَ عَلَيْهِمْ في دار الدنيا بذلك الشقاء والخذلان وطمس البصيرة، وهو الذي يجازيهم يوم القيامة على ما كان منهم، وذلك معنى قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ}.
{ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} يوم القيامة؛ أي: يخبرهم إذا جاءُوه بالذي كانوا يعملونه في الدنيا، فيجدون كل ما عملوه في كتاب لا يُغَادِرُ صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويقال للإنسان: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)} [الإسراء: آية 14]، فيجد الإنسان كُلَّ مَا قَدَّمَ وَأَخَّر {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: آية 30] وهذا معنى قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} والمراد بالتنبئة هنا ليس مجرد الإخبار، ينبئهم ليقرّوا ويعترفوا فيعلمون أنه إنما عاقبهم على عدل وليس بظلم، والنبأ في لغة العرب أخص من مُطْلَقِ الخَبَر؛ لأن كل نبأ خبر، وليس كل خبر نبأ؛ لأن العرب لا تطلق النبأ إلا على الخبر الذي له شأن وخطب، فيقولون: جاءنا نبأ الجيوش، ونبأ الأمير، وخبر الجيوش، وخبر الأمير. أما لو قال قائل: تلقّينا اليوم نبأً عن حمار الحجام، فإن هذا لا يكون من كلام [25/أ] العرب (¬1)؛ لأن/ حمار الحجام لا أهمية له، وإطلاق النبأ عليه وضع للنبأ في غير موضعه، فاللائق أن يقول: خبر حمار الحجام؛ لأن النبأ لا يُطلق إلا على ما له شأن (¬2)، وكون التنبئة هنا لها شأن لعظمة الله
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (89) من سورة الأنعام
(¬2) السابق.

الصفحة 607