كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عشرة. ثم إنه بيّن في بعض المواضع أنه يضاعف إلى سبعمائة، وفي بعضها أنه يضاعف حسب مشيئته بحيث لا يعلمه إلا هو حيث قال في المضاعفة إلى سبعمائة: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} فجاءت الحبة بسبعمائة حبة، وهي مضاعفة الحسنة بسبعمائة.
ثم قال: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: آية 261] أي: يضاعف لمن يشاء من الأضعاف ما شاء، فأقَلّ المضاعفة عشر حسنات، إلى سَبْعِمِائة، إلى ما شاء الله. فتوضع الحسنة في الميزان بعشر حسنات.
ثم قال: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ} أي: بالخصلة السيئة التي تسوء صاحبها إذا رآها في صحيفته يوم القيامة {فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} فجزاء السيئة سيئة واحدة مثلها، وجزاء الحسنة على أقل التقديرات عشرة أمثال، فمن غلبت آحاده عشراته فلا خير فيه، ولا يهلك على الله إلا هالك؛ لأن هذه الحنيفيَّة السمحة التي جاء بها سيد ولد آدم (عليه الصلاة والسلام) هَيَّأَ الله فيها طريق الجنة ويَسَّرَها تيسيراً عجيباً، رفع فيها الأثقال والآصَار والتَّكَالِيفَ، من شقّ عليه السفر فليفطر، وليقصر الصلاة (¬1)، ومن لم يقدر على الصلاة قائماً صلى قاعداً، وهكذا في أنواع التخفيف، فمع هذا فالحسنة تكتب له بعشر حسنات كل حسنة مثلها، والسيئة إنما تكتب عليه سيئة واحدة مثلها، ومن هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، بل قد تكون حسنة، إن كان تركه لها
¬_________
(¬1) معلوم أن القصر والفطر في السفر لا يتوقفان على وجود المشقة.

الصفحة 609