كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام: آية 104]. {قَدْ}: هُنَا حَرْفُ تَحْقِيقٍ. و {جَاءَكُمْ بَصَائِرُ} إنما ذَكَّرَ الفاعلَ ولم يَقُلْ: «جاءتكم بصائرُ»؛ لأن الجمعَ المُكَسَّرَ يَجْرِي مَجْرَى الواحدةِ المؤنثةِ المجازيةِ التأنيثِ (¬1)، فيجوزُ التجريدُ من التاءِ. وَحَسَّنَهُ هنا الفصلُ بالمفعولِ - أعني: {جَاءَكُمْ} - فإن الفصلَ يُبِيحُ وَيَجُوزُ به تركُ التاءِ في المؤنثةِ الحقيقيةِ، أحرى غيرُها (¬2).
وقولُه: {بَصَائِرُ} البصائرُ: جمعُ البصيرةِ (فَعِيْلَة) مجموعةٌ على (فَعَائِل) على القياسِ. والبصيرةُ أشهرُ معانِيها في لغةِ العربِ أنها تُطْلَقُ إِطْلاَقَيْنِ يرجعُ إليهما غالبُ استعمالِ البصيرةِ في القرآنِ، وفي لغةِ العربِ (¬3):
أحدُهما: أن البصيرةَ هي الحُجَّةُ والدليلُ القاطعُ. ومعنَى (البصائرِ): الْحُجَجُ والأدلةُ القاطعةُ، وإنما قيل للدليلِ القاطعِ والحجةِ والبرهانِ: (بصيرةٌ) لأنه يُنَوِّرُ البصيرةَ التي هي نورُ العقلِ، يُنَوِّرُهَا حتى ترى الحقَّ حقًّا، والباطلَ باطلاً، والنافعَ نافعًا، والضارَّ ضارًّا، والحَسَنَ حَسَنًا، والقبيحَ قَبِيحًا. وعلى هذا فمعنَى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ} أي: قد جَاءَتْكُمْ حُجَجٌ قاطعاتٌ، وأدلةٌ واضحاتٌ في هذا القرآنِ العظيمِ، بَيَّنَ اللَّهُ لكم بها توحيدَه، وأدلةَ براهينِه القاطعةَ، كقولِه: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: آية 95] إلى آخِرِ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (34) من سورة الأنعام. وانظر: الدر المصون (5/ 91).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (48) من سورة البقرة. وانظر: الدر المصون (5/ 91).
(¬3) انظر: ابن جرير (12/ 24)، البحر المحيط (4/ 196)، الدر المصون (5/ 91)، بصائر ذوي التمييز (2/ 223).

الصفحة 61