كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

لأجل ابتغاء مرضاة الله، فهذه الآيات من أعظم المبشرات للمسلمين؛ لأن جميع حسناتهم عند الوزن الذي قال الله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: آية 8] إذا كانت حسنتك تضاعف عشر مرات، وسيئتك إنما تُجازى بسيئة واحدة مثلها، ففي هذا أعظم البشارة للمسلمين، وعليهم أن يكثروا من الحسنات. ومن الحِكَم العظيمة وجوامع الكلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا» (¬1)
يعني: إن صدرت منك سيئة فأتبعها بحسنة؛ لأن السيئة تُجعل في كفة الميزان سيئة واحدة؛ وتجعل الحسنة في الكفة الأخرى عشر حسنات فيثقل وزنها عليها، وهذا معنى قوله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: آية 160] أصل الحسنة: هي الصفة المشبهة من حسُن يحسن، فهو حسَن، والأنثى حسنة، وقد جَرَتْ عادة العرب بأن يجعلوا لفظ الحسنة والصالحة كأنهما اسما جنس للخصلة الطيبة والفعلة الكريمة، حتى كادوا يتناسون الوصفية فيهما، ومنه هنا: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ} أي: بالخصلة الحسنة، فَحُسْنها هو كونها تُرضي الله (جل وعلا)، وتطابق ما أمر به ونهى عنه، وقد وعد الثواب عليها، وكذلك قال: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [البقرة: آية 25] فالصالحة كالحسنة؛ أي: هي الخصلة التي هي صالحة؛ لأن الله أمر بها، ووعد فاعلها الخير، وهذا معروف في كلام العرب، أما في الحسنة فمشهور، وأما
¬_________
(¬1) أخرجه أحمد (5/ 153، 158، 177)، والترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في معاشرة الناس، حديث رقم: (1987)، (4/ 355) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

وانظر: السلسلة الصحيحة (3/ 361 - 362)، صحيح الترمذي (2/ 191)، المشكاة رقم: (5083).

الصفحة 610