كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

والسيئة: هي الخصلة التي تسوء صاحبها إذا رآها في صحيفته يوم القيامة (¬1). {وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران: آية 30].
{فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} ومن هنا تعرفون أن ما يجري على ألسنة العامة: أن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف الحسنات، أن ذلك الإطلاق لا يجوز؛ لأن مضاعفة السيئات ممنوعة قطعًا؛ لأن الله يقول: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} وهو نص صريح قرآني في أن السيئات لا تُضَاعَف، ولكن السيئة في حرم مكة مثلا تعظم؛ لأن السيئة تعظم بحسب عظم الزمان والمكان، فإذا عظمت السيئة عظم جزاؤها؛ لأن الجزاء بحسب الذنب، إذا عظم الذنب عظم الجزاء، وإذا صَغُرَ الذنب صغر الجزاء، فهو من عظم الذنب، وعظم الجزاء تبعاً لعظم الذنب، لا من المضاعفة؛ لأن السيئات لا تضاعف، ولكنها تعظم وتكون أكبر في زمان من زمان، وفي محل من محل؛ ولذا قال في حرم مكة: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: آية 25] وقال في الأشهر الحرم: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: آية 36] مع أن ظلم النفس في غيرهن حرام (¬2).
وهذا معنى قوله: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي: والجميع لا يظلمون، فلا يُزاد في سيئات المسيئ، ولا يُنقص من حسنات المحسن، بل حسنات المحسن تُزاد، وسيئات
¬_________
(¬1) انظر: المفردات (مادة: سوأ) (441).
(¬2) انظر: زاد المعاد (1/ 51).

الصفحة 612