كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

{إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي} أي: أرْشَدَنِي ودَلَّنِي ووَفَّقَنِي لِلْعَمَلِ {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. الصراط في لغة العرب: الطريق الواضح (¬1)، ومنه قول جرير (¬2):
أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ ... إِذَا اعْوَجَّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ

والمستقيم الذي لا اعوجاج فيه، طرفه بيد المسلمين، وطرفه الآخر في الجنة.
وقوله: {دِيناً} أعربوه أعاريب مختلفة (¬3)، أجودها: أنه بدل محل من قوله: {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} لأنه مجرور في محل نصب، والأصل: (هداني ربي صراطًا مستقيماً) لأن (هدى) تتعدى إلى المفعول الثاني بنفسها دون حرف الجر، كقوله: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (118)} [الصافات: آية 118] {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)} [الفاتحة: آية 6] {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} [الفتح: آية 20] وقد يتعدى بـ (إلى) كقوله هنا: {هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقد يتعدى بـ (اللام) إلى المفعول الثاني، كقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: آية 9] فهو وإن جُر بـ (اللام) أو بـ (إلى) فهو في محل نصب؛ لأن الفعل يتعدى إليه بنفسه، ومعروف أن مراعاة المحل في الإعراب أمر معروف:
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (87) من سورة الأنعام.
(¬2) السابق.
(¬3) انظر: ابن جرير (12/ 282)، القرطبي (7/ 152)، البحر المحيط (4/ 262)، الدر المصون (5/ 238).

الصفحة 614