كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وقوله جل وعلا: {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} {حَنِيفاً} هنا حال من إبراهيم (¬1)، والمعروف أن الحال لا تكون من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف هو عامل الحال، أو كان المضاف كأنه جزء من المضاف إليه كما هنا، أو شبه الجزء (¬2)، بدليل أنه لو حُذف لمَا ضَرَّ، لو قلت مثلاً: ديناً قيّماً مِلَّة إبراهيم، لو قلت: اتبعوا إبراهيم، لكفى عن: اتبعوا ملة إبراهيم.
والحنيف في لغة العرب: أصله الذي به حَنَف، وأصل الحَنَف في لغة العرب: هو أن يميل القدم الأيمن إلى جهة القدم الأيسر، والقدم الأيسر إلى جهة القدم الأيمن، فيكون في كلتا الرجلين اعْوِجَاجٌ، كل منهما تَعْوَج إلى الأخرى (¬3)، فيقال للرجل: أحْنَف، وللمَرْأة: حَنْفَاء، وكان الأحنف بن قيس سيد تميم كذلك، وفيه سُمِّي الأحْنَف، وكانت أمه تُرقصُه وهو صبي، وهي تقول (¬4):
واللهِ لَوْلَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ
هذا أصل الحَنَف، وصار أكثر ما يُستعمل الحَنَف في الميل عن الأديان الباطلة إلى الدين المستقيم (¬5)، فالحَنِيفُ: المَائِل عن كل دين بَاطِل لا يُرضي الله إِلَى الدين المستقيم الذي يرضي الله، فهذا معنى كون إبراهيم {حَنِيفاً} أي: مائلاً صَادّاً عن جميع الأديان الباطلة إلى
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 152)، البحر المحيط (4/ 262).
(¬2) انظر: ضياء السالك (2/ 229).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (79) من سورة الأنعام.
(¬4) السابق.
(¬5) مضى عند تفسير الآية (79) من سورة الأنعام.

الصفحة 620