كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

الدين المستقيم الذي يُرْضِي اللهَ جَلَّ وَعَلَا.
{ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} نفي هذا الكون الماضي، بأن الله نفى عن إبراهيم الشرك في الكون الماضي، معناه: أنه لم يقع منه كَوْنُ الشِّرْكِ فيما مضى أبداً، وهذا حق لا شَكَّ فيه، والآيات الدالة عليه كثيرة، كقوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ (123)} [النحل: آية 123] وهذا يكثر في القرآن -نفي كون الشرك الماضي عن إبراهيم- وبهذه الآيات وأمثالها في القرآن من تَبْرِئَةِ إبراهيم من شرك ماض أبداً، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} [الأنبياء: آية 51] تعلمون أنه غَلِطَ كِبَارٌ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، منهم كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري، والروايات المرْوِيَّة عن ابن عباس وغيره من أجلاء علماء التَّابِعِين، أنها كلها غلط لا شَكَّ فِيهِ؛ وذلك لأنهم زَعَمُوا أَنَّ قَوْلَ إبراهيم المتقدم في الأنعام: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: آية 76] زَعَمُوا أنه كان يظن أنه ربه وقت قوله ذلك، ولو كان يَظُن ربوبية الكوكب لكان من أشد المشركين شركاً، والله ينفي عنه الشرك في الكون الماضي، فدَلَّ قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} في آيات كثيرة، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} [الأنبياء: آية 51] أن قوله في الكوكب: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} أنه ما كان يظن ربوبية الكوكب أبداً، إذ لو كان يظنها لكان سبق عليه شرك ماض، وظَنُّ ربوبيَّة غير الله هو أكبر أنواع الشرك وأكفرها، والله يقول: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [يونس: آية 66] فقول ابن جرير: إن إبراهيم كان يظن رُبُوبِيَّة الكوكب أولاً، وروايته لهذا عن ابن عباس وجماعة

الصفحة 621