كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

غلط فاحش لا شك فيه (¬1)؛
لأن الله يقول عن إبراهيم: {وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} ونفي الشرك في الكون الماضي يدل على الاستغراق؛ لأنه من المعروف عند العلماء أن الفعل قسمان: فعل حقيقي، وفعل صناعي.
أما الفعل الحقيقي فهو الذي يسميه علماء النحو بالمصدر، وهو الحدث المتجدِّد، كالضرب والكلام والقعود، والفعل الصناعي: هو المعروف في صناعة النحو بالفعل، مما يسمونه: ماضياً، أو مضارعاً، أو فعل أمر، وهذا الفعل الصناعي عند عامة النحويين ينْحَلّ عن مصدر وزمن (¬2)، وبيَّنه في الخلاصة بقوله (¬3):
المَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ

وعند المحققين من علماء البلاغة كما حَرَّرُوه في مبحث الاستعارة التبعية: أن الفعل الصناعي يَنْحلّ عن مصدر، وزمن، ونسبة، فالمصدر كامن في جوفه إجماعاً (¬4). وقوله: {وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} (كان) فعل صناعي، فعل ماض ناقص يكمن في جوفه مصدره قطعاً، ففيه نَفْيُ كَوْنِ الشِّرْكِ المَاضِي قطعاً، نفياً باتّاً من الله، فلم يكن من إبراهيم شرك ألبتة، كما صرح به الله في قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} في آيات كثيرة.
ولا شك أن طالب العلم يخطر في ذهنه الآن أن يقول: برَّأْتُمْ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (76) من هذه السورة ..
(¬2) السابق.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (54) من سورة البقرة.
(¬4) انظر: جواهر البلاغة ص 310، الكليات (102).

الصفحة 622