كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

إبْرَاهِيمَ من كل شرك ماض؛ لأن الله نَفَى كَوْنَ الشرك الماضي عنه، وهو يستغرق ماضي الزمن إلى الأزل، ولكن ماذا تقولون في قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: آية 76]؟
والجواب: قَرَّرْنَاهُ في محلِّهِ مِنْ هَذِهِ السورة (¬1)، وسنُلم بنموذج قليل منه، منه: أن هذا إنما قاله نبي الله إبراهيم على سبيل التنازل الجدلي، ليمكنه إفحام خصمه؛ لأن من أمهات الجدل أن تُسلم الكذب المحض لخصمك ليمكنك إفحامه؛ لأن إبراهيم لو قال أولاً: الكوكب لا يمكن أن يكون ربّاً. لقالوا: أنت رجل جاهل كذاب، الكوكب رب، ولم يحصل شيء، فكأنه قال: سلمنا على زعمكم الكافر الكاذب الباطل، هذا ربي! أي: على زعمكم الكافر الملحد الفاجر، فَلِمَ يأفل؟ وكيف يأفل الرب ويسقط؟! ولذا قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} فلو لم يتنازل ويُسلمهم التسليم الجدلي ويقل لهم: هذا ربي؛ أي: فرضاً على كُفْرِكُمْ وقَوْلِكُم البَاطِل، لو لم يتنازل هذا التنازل لما أمكنه إفحامهم كما يقول الله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: آية 22] {لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَّابْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء: آية 42] أي: لو كان ربًّا لما كان آفلًا! ولو لم يُظهر لهم بعض الموافقة للكذب الباطل لما أمْكَنَهُ إفْحَامُهُم.
والوجه الثاني: أن همزة (¬2) الاستفهام الإنكاري محذوفة دل المقام عليها، والأصل: أهذا ربي؟! وهمزة الاستفهام إذا دل المقام
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (76) من هذه السورة.
(¬2) السابق.

الصفحة 623