كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عليها جاز حذفها. والدليل عليها وعلى أن إبراهيم ما كان ظانّاً ربوبية الكوكب هو عظم إبراهيم، وشهادة الله له في القرآن أنه لم يكن مشركاً قط، وفي نفس الآية قرائن واضحة قاطعة على أنه ما كان يظن الكوكب ربّاً؛ لأن الله قال في أول الآيات: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ (75)} [الأنعام: آية 75] فلما حكم له بأنه من الموقنين الذين لا يخالج يقينهم شك رتب على ذلك بالفاء قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: آية 76] فكيف يظن أنه ربه والله يقول: {نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ} فرتب على كونه من الموقنين قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} وهمزة الاستفهام حذفها مطرد إذا كان مع (أم) لا نزاع فيه. وزعم الأخفش الصغير -أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير- أن حذف همزة الاستفهام إذا دل عليه قرينة أنه مطرد في اللغة العربية قياسي لا يحتاج إلى سماع، ومن أمثلته في القرآن: {أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: آية 34] والمعنى: أفإن مِتَّ أفهم الخالدون؛ لأن محل استفهام الإنكار في قوله: «أفَهُمُ الخالِدُونَ» وهو كثير في كلام العرب دون (أم)، ودون ذكر الجواب، ومع (أم)، ومع ذكر الجواب (¬1).
فمن أمثلته دون (أم) ودون ذكر الجواب قول الكميت (¬2):
طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إِلَى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلَا لَعِباً مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (79) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (76) من هذه السورة.

الصفحة 624