كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

وَمَحْيَايْ} بخلاف عن ورش فيه، واتفاق عن قالون: {وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بفتح ياء {وَمَمَاتِي} (¬1)، وقرأ -مثلًا-: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} وهي لغة تميم مدّ لفظة {وَأَنَاْ} وقرأه عامة القراء غير نافع: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} بلا مدّ {وَأَنَاْ} (¬2).
والمعنى: قل لهم يا نبي الله، إن جميع عباداتي مُنْصَرِفَة إلى مَنْ خَلَقَنِي لا أشرك فيها غيره معه، فأنا مُوَحِّد صِرْفاً، مخْلِص لِرَبِّي في عِبَادَتِي {إِنَّ صَلاَتِي} إذا صليت {وَنُسُكِي} أكثر العلماء على أن النسك هنا معناه: النحر في الضحايا والهدايا، ونحري إذا نَحَرْت {لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، كقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: آية 2] وعلى هذا فالنسك خاص بالذبح (¬3). والمعنى: أنه لا يُنْحَر لِغَيْرِ اللهِ، ولا يُذْكَر عَلَى الذَّبِيحَة اسم غير الله، كَمَا لا يُصَلَّى لِغَيْرِ اللهِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ في قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}.
وقال بعض العلماء: {وَنُسُكِي} معناه: جميع عباداتي؛ لأن التنسك: التعبد، و (النسك) يطلق على جميع العبادات، ويدخل فيه دخولاً أَوَّلِيّاً: النحر والتقرُّب بالدم؛ لأن التقرب بالدماء في الضحايا والهدايا من أعظم القُرَب إلى الله، وصرفه لِغَيْرِ الله صَرْف لحقوق الخالق إلى المخلوق، وذلك معروف ما فيه، فعلى أن (النسك) خصوص الذبح فالآية كقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص (206).
(¬2) انظر: السبعة لابن مجاهد 187، الموضح (1/ 338)، الإقناع لابن الباذش (2/ 610)، النشر (2/ 230 - 231)، البدور الزاهرة (114).
(¬3) انظر: ابن جرير (12/ 283 - 285)، أضواء البيان (2/ 284).

الصفحة 627