كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

من أحد أشرك معه غيره، وكل شيء يغفره إن شاء إلا الإشراك به {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: آية 48] وهذا معنى قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ} في شيء من ذلك، لا شريك يُصلى له غيره، ولا شريك يُنحر ويتقرب إليه بالنحر غيره، ولا شريك يُميت ويُحيي غيره، ولا شريك يقام على الأعمال لرضاه مخلصاً له في الحياة غيره، ولا شريك يُوصَى بالأعمال الصالحة بعد الممات يُراد بها رِضَا شريك غيره، بل هو وحده الذي له الإخلاص في جميع ذلك كله، ثم قال: {وَبِذَلِكَ} الذي ذكرت لكم من إخلاص العبادة لله طول أيام الحياة، وما يُوصى به بعد الممات، وما يموت عليه الإنسان من الأعمال، إخلاص التوحيد والقُرَب لله في ذلك وحده {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} هكذا أمرني ربي، وأنا عبد مأمور، وقد أمرني بالإخلاص له في جميع عباداتي.
فعلينا أن نعلم أن هذا الذي أُمر به سيدنا - صلى الله عليه وسلم - من تحقيق العبودية لله، وإخلاص حقوق الله لله، وتحقيق معنى (لا إله إلا الله) علينا أن نتبع فيه نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ}، قوله: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} أي: أول المسلمين من هذه الأمة؛ لأنه هو الذي دَعَاها إلى الإسلام، فهو أول مَنْ أسْلَمَ؛ لأنه نزل عليه الوحي فآمَنَ به ثم قام يدعو الناس إليه، أي: من هذه الأمة لا مِنْ جَمِيع الناس. أما المسلمون قبله من الأمم الأخرى فهم كثير جدّاً، وكل الأنبياء قبله مسلمون، وهذا نبي الله إبراهيم يقول الله فيه: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} [البقرة: آية 131] وهذا نبي الله نوح

الصفحة 629