كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 2)

عليه، وهي شهادةُ أعضائِه وجلدِه على أنه فَعَلَ كذا يومَ كذا، في وقتِ كذا، في مكانِ كذا.
الوجهُ الثاني: أن (المِعْذَار) يُطْلَقُ في لغةِ بعضِ العربِ من اليمانيين وغيرِهم على (السِّترِ)، فيقولونَ: «أَرْخَى مِعْذَارَهُ» أي: سِتْرَهُ. والمعنَى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)} تقومُ حجةٌ منه بما فَعَلَ على نفسِه بشهادةِ جوارحِه: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)} أي: ولو أَرْخَى سُتُورَهُ وقتَ الذنبِ بحيثُ لاَ يطلعُ عليه أحدٌ، فجوارحُه تُخْبِرُ بما فَعَلَ. هذا هو معنَى البصيرةِ، ومعانيها راجعةٌ إلى هذا.
والظاهرُ أن تسميةَ العربِ الدمَ الذي يخرجُ من البكرِ عندَ افتضاضِها - فقطعةُ الدمِ التي تخرجُ من البكرِ عندَ افتضاضِها - تسميها العربُ: (بصيرةً) لأنها حجةٌ على أن الزوجَ وَجَدَهَا بِكْرًا غيرَ ثَيِّبٍ (1). ومن هنا قيل لدمِ القتيلِ الذي يكونُ عندَ أولادِه - يأخذونَ دَمَهُ - تقولُ العربُ لِدَمِهِ: (بصيرةٌ)؛ لأنه حجَّةٌ على القاتلِ بأنه قَتَلَهُ. وهو معنًى معروفٌ، (2) ومنه قولُ الأشعرِ الجعفيِّ (3):
رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ ... وبَصِيرَتِي يَعْدو بِهَا عَتَدٌ وَأَى

فمعنى قولِه: {قَدْ جَاءكُم بَصَائِرُ} أي: قد جاءتكم في هذه السورةِ الكريمةِ حُجَجٌ وبراهينُ قاطعاتٌ على كمالِ قدرتِه (جل وعلا)

الصفحة 63