كتاب شرح رياض الصالحين (اسم الجزء: 2)

قال: يا سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، وهذا وجدان حقيقي، ليس تخيلاً أو توهماً، ولكن من كرامة الله لهذا الرجل شم رائحة الجنة قبل أن يستشهد ـ رضي الله عنه ـ من أجل أن يقدم ولا يحجم، فتقدم فقاتل، فقتل ـ رضي الله عنه ـ استشهد، ووجد فيه بضع وثمانون، ما بين ضربة بسيف، أو برمح، أو بسهم، حتى إنه قد تمزق جلده، فلم يعرفه أحد إلا أخته، لم تعرفه إلا ببنانه ـ رضي الله عنه.

فكان المسلمون يرون أن الله قد أنزل فيه وفي أشباهه هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23) ، ولا شك أن هذا وأمثاله ـ رضي الله عنهم ـ يدخلون دخولاً أولياً في هذه الآية، فإنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حيث قال أنس: والله ليرين الله ما أصنع، ففعل، فصنع صنعاً لا يصنعه أحد إلا من منْ الله عليه بمثله حتى استشهد.
ففي هذا الحديث دليل شاهد للباب، وهو مجاهدة الإنسان نفسه على طاعة الله، فإن أنس بن النضر جاهد نفسه هذا الجهاد العظيم، حتى تقدم يقاتل أعداء الله بعد أن انكشف المسلمون وصارت الهزيمة حتى قتل شهيدً ـ رضي الله عنه ـ والله الموفق.

* * *

110 ـ السادس عشر: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء وجاء رجل أخر فتصدق بصاع فقالوا: إن

الصفحة 110