كتاب شرح رياض الصالحين (اسم الجزء: 2)

بنقص حسنات عملها، بل هو ـ سبحانه وتعالى ـ حكم، عدل، محسن، فحكمه وثوابه لعباده دائر بين أمرين: بين فضل وعدل، فضل لمن عمل الحسنات، وعدل لمن عمل السيئات، وليس هناك شيء ثالث وهو الظلم.

أما الحسنات فإنه ـ سبحانه وتعالى ـ يجازي الحسنة بعشر أمثالها، من يعمل حسنة يثاب بعشر حسنات، أما السيئة فبسيئة واحدة فقط، قال الله تعالى في سورة الأنعام ـ وهي مكية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام: 160) ، ولا يظلمون بنقص ثواب الحسنات، ولا يظلمون بزيادة جزاء السيئات، بل ربنا ـ عز وجل ـ يقول: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه: 112) ، ظلماً بزيادة في سيئاته، ولا هضماً بنقص من حسناته.
وفي قوله تعالى: (إني حرمت الظلم على نفسي) دليل على أنه ـ جل وعلا ـ يحرم على نفسه، ويوجب على نفسه، فمما أوجب على نفسه: الرحمة، قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة) (الأنعام: 54) ، ومما حرم على نفسه: الظلم، وذلك لأنه فعال لما يريد، يحكم بما يشاء، فكما أنه يوجب على عباده ويحرم عليهم؛ يوجب على نفسه ويحرم عليها ـ جل وعلا ـ، لأن له الحكم التام المطلق.

وقوله تعالى: (وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) أي لا يظلم بعضكم بعضاً، والجعل هنا هو الجعل الشرعي، وذلك لأن الجعل الذي أضافه الله إلى نفسه: إما أن يكون كونياً مثل قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا

الصفحة 116