كتاب شرح رياض الصالحين (اسم الجزء: 2)

شيء، ولا أن يكسر من أعضائه شيء، لأنه أمانة وسوف يبعث بكامله يوم القيامة، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تأخذ منه شيئاً.
ولهذا نص فقهاء الحنابلة ـ رحمهم الله على أنه لا يجوز أن يؤخذ من الميت شيء من أعضائه، ولو أوصى به، وذلك لأن الميت محترم، كما أن الحي محترم. كسر عظم الميت ككسره حياً، فإن أخذنا من الميت عضواً، أو كسرنا منه عظماً، كان ذلك جناية عليه، وكل اعتداءً عليه، وكنا آثمين بذلك.

والميت نفسه لا يستطيع أن يتبرع بشيء من أعضائه، لأن أعضاءه أمانة عنده، أمانة لا يحل له أن يفرط فيها، ولهذا قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، فسرها عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بالإنسان إذا كان عليه جنابة، وكان في البرد، وخاف أن اغتسل أن يتضرر، جعل عمرو بن العاص هذا داخلاً في الآية، وذلك حين كان عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ في سرية، وأجنب، وكانت الليلة باردة فتيمم، وصلى بأصحابه، فلما رجعوا إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبلغه الخبر، قال: (يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب) ـ يعني لم تغتسل ـ؟ قال: يا رسول الله، إني ذكرت قول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: 29) ، وخفت البرد فتيممت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره على فعله وعلى استدلاله بالآية، ولم يقل: إن الآية لا تدل على هذا.

الصفحة 118