كتاب شرح رياض الصالحين (اسم الجزء: 2)

أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الإنسان: 30) ، فبين أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم، وكم من شيء كره الإنسان وقوعه، فصار في العاقبة خيراً له، كما قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 216) ، ولقد جرت حوادث كثيرة تدل على هذه الآية، من ذلك: قبل عدة سنوات أقلعت طائرة من الرياض متجهة إلى جدة، وفيها ركاب كثيرون، يزيدون عن ثلاثمائة راكب، وكان أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار، فغلبته عيناه حتى نام، وأعلن عن إقلاع الطائرة، وذهب الركاب وركبوا، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب، فندم ندامة شديدة؛ كيف فاتته الطائرة؟ ثم إن الله قدر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها. فسبحان الله! كيف نجا هذا الرجل؟ كره أنه فاتته الطائرة، ولكن كان ذلك خيراً له.

فأنت إذا بذلت الجهد، واستعنت بالله، وصار الأمر على خلاف ما تريد، لا تندم، ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو، فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلم الأمر للجبار ـ عز وجل ـ قل: قدر الله وما شاء فعل.
ووالله، لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً، لكن تجد الإنسان منا؛ أولاً: لا يحرص على ما ينفعه، بل تمضي أوقاته ليلاً ونهاراً بدون فائدة، تضع عليه سدي. ثانياً إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع، تجده يندم، ويقول: ليتني

الصفحة 84