أنه إذا أكمل سورة البقرة ركع، ولكنه مضى صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة النساء كاملة، فقال حذيفة يركع بها، ولكنه مضى فقرأ سورة آل عمران كاملة في ركعة واحدة، يقرأ مترسلاً غير مستعجل، إذا مر بآية تسبيح سبح، وإذا مر بآية سؤال سأل، وإذا مر بآية تعوّذ تعوذ.
فجمع عليه الصلاة والسلام بين القراءة، وبين الذكر، وبين الدعاء، وبين التفكر؛ لأن الذي يسأل عند السؤال، ويتعوّذ عن التعوذ، ويسبح عن التسبيح، لا شك أنه يتأمل قراءته ويتفكر فيها، فيكون هذا القيام روضة من رياض الذكر؛ قراءة وتسبيحاً ودعاءً وتفكراً، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا كله لم يركع. فهذه السور الثلاث: البقرة والنساء وآل عمران أكثر من خمسة أجزاء وربع، إذا كان الإنسان يقرؤها بترسل ويستعين عند فتح الوعيد ويسأل عن آية الرحمة، ويسبح عند آية التسبيح، كم تكون المدة؟ لا شك أنها تكون طويلة، ولهذا كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقوم حتى تتورم قدماه وتتفطر.
حتى إن ابن مسعود ـ وهو شاب ـ لما صلى معه ليلة من الليالي، يقول: أطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام حتى هممت بأمر سوء، قالوا: بم هممت قال: هممت أن أجلس وأدعه، عجز أن يصبر من طول القيام.
ثم أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ركع بعد أن أتم السور الثلاث فقال: سبحان ربي العظيم، وأطال الركوع نحواً من قيامه، ثم رفع من ركوعه، وأطال القيام بعد الركوع، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، حتى كان قيامه نحو من ركوعه، ثم سجد صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان ربي الأعلى، وأطال السجود، حتى كان سجوده نحواً من قيامه.
وهكذا كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يصلي فيجعل الصلاة متناسبة؛ إذا أطال القيام؛ أطال الركوع، والسجود، والقيام الذي بعد الركوع والجلوس الذي بين السجدتين، وإذا خفف القراءة؛ خفف الركوع والسجود والقيام؛ من أجل أن تكون الصلاة متناسبة، وهذا فعله صلوات الله وسلامه عليه ـ في الفرض وفي النفل أيضاً، فكان صلى الله عليه وسلم يجعل صلاته متناسبة.
وفي هذا الحديث عدة فوائد:
الفائدة الأولى: وهي التي ساق المؤلف الحديث من أجلها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل عمل المجاهد الذي يجاهد نفسه على الطاعة؛ لأنه يعمل هذا العمل الشاق؛ كل هذه ابتغاء وجه الله ورضوانه، كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) (الفتح: من الآية29) .
ومنها: جواز إقامة الجماعة في صلاة الليل، لكن هذا ليس دائماً، إنما يفعل أحياناً في غير رمضان، أما في رمضان فإن من السنة أن يقوم الناس في جماعة.
ومنها: أنه ينبغي للإنسان في صلاة الليل إذا مر بآية رحمة أن يقف ويسأل، مثل لو مر بذكر الجنة يقف ويقول: اللهم اجعلني من أهلها،