كتاب ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (اسم الجزء: 2)

الصَّبْرِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَلَكَيْنِ وَصِفَتِهِمَا الْهَائِلَةِ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَيْسَ بِمُمْتَنَعٍ، وَذَلِكَ وَأَعْظَمُ مِنْهُ
مِمَّا هُوَ مَقْدُورٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ جَائِزٌ كَوْنُهُ، فَإِذَا وَرَدَ بِهِ هَذَا الْخَبَرُ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنَ التَّصْدِيقِ بِهِ، وفِي ذَلِكَ تَعْظُمُ الْمَسَرَّةُ لِلْمُؤْمِنِ، وَالْغَمُّ عَلَى الْكَافِرِ، وَمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الَّتِي تُفْتَحُ فَيَرَاهَا صَاحِبُ الْقَبْرِ مِمَّا لَا يُمْتَنَعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرِيَهُ ذَلِكَ، أَوْ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لِيَعْظُمَ بِهِ فَرَحُ الْمُؤْمِنِ وَيَعْظُمَ بِهِ غَمُّ الْكَافِرِ وَحَسْرَتُهُ، وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ أَبْوَابِ النَّارِ وَمَا يُعَايِنُ مِنْهَا صَاحِبُ الْقَبْرِ أَيْضًا فَتَعْظُمُ مَسَرَّةُ الْمُؤْمِنِ بِخَلَاصِهِ مِنْهُ، وَيَعْظُمُ غَمُّ الْكَافِرِ بِوُقُوعِهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي ذِكْرِ الْأَفَاعِي , وَهِيَ الْحَيَّاتُ وَمَا يَجْرِي مِنْهَا عَلَى الْكَافِرِ فِيهَا لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْخَبَرِ مَا كَانَ جَائِزًا مُمْكِنًا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَا مَنَعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَانِعٌ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مِمَّا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى الْوُجُوهِ الصَّحِيحَةِ، وَفِي الْخَبَرِ مِنَ النَّفْعِ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ، وَالْمَوْعِظَةُ لِمَنْ سَمِعَهُ وَنَظَرَ فِيهِ مَا لَوْ لَمْ يَرِدْ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَاهُ لَكَفَى بِهِ بَاعِثًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَزَاجِرًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَمَتَى قِيلَ: فَأَيُّ وَقْتٍ يَرَى الْمَيِّتُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْمَوْتَى عَقِبَ دُخُولِ الْقَبْرِ، وَفِي بَعْضِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْنَا تَكْلِيفٌ فِي مَعْرِفَةِ وَقْتِهِ، وَكَذَلِكَ مَتَى قِيلَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الْمَقْتُولِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَيِّتُ يَمُوتُ الْفَجْأَةَ مَتَى يَرَى الْمَلَائِكَةَ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْمَقْتُولُ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرَى ذَلِكَ , أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فِي خِلَالِ قَتْلِهِ، وَاللَّمْحَةُ الْوَاحِدَةُ تَكْفِي، وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً
يَجُوزُ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ مِنَ الْوَقْتِ، وَمَتَى قِيلَ فَالْمَصْلُوبُ أَوِ الْغَرِيقُ فِي الْبَحْرِ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ؟ ، قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَرَيَا ذَلِكَ كَمَا يَرَاهُ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمَوْتَى، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ النَّاسُ أَوْقَاتَ ذَلِكَ , فَفِي اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ سَعَةٌ فِي مَقْدُورَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُمْكِنَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْخَبَرِ دِلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ حَالِ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَبِأُمُورِ الدِّينِ الَّتِي وَقَعَ سُؤَالُ الْمَلَائِكَةِ عَنْهَا، وَعِظَمُ الْأَمْرِ فِيهَا، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَقُومَ مِنْهَا مَقَامًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ، وَيَلْتَزِمَ الْعَمَلَ بِهِ: مِنْ إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا النَّجَاةُ، وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْهَلَاكُ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنِ ذُكِّرَ , فَذُكِّرَ، وَبُصِّرَ , فَأَبْصَرَ، وَنَظَرَ , فَاعْتَبَرَ، وَأُعْطِيَ , فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ , فَصَبَرَ، وَأَنَابَ , وَاسْتَغْفَرَ، وَجَعَلَ خَيْرَ أَعْمَالِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَلُطْفِهِ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
2917 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوْزَدَانِيُّ الْمُقْرِيُّ , بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَهْدَلٍ الْمَدِينِيُّ، قَالَ:

الصفحة 405