كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

الذي أنت فيه وإذا ثبت هذا فانظر إلى قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وفي الحديث: "من صام رمضان" رواه مسلم وإذا دخل رمضان بدون لفظ الشهر ومحال أن يكون فعل ذلك إيجازا واختصارا لأن القرآن أبلغ إيجازا وأبين إعجازا ومحال أيضا أن يدع لفظ القرآن مع تحريه لألفاظه وما علم من عادته من الإقتداء به فيدع ذلك لغير حكمة بل لفائدة جسيمة ومعان شريفة اقتضت الفرق بين الموضعين وقد ارتبك الناس في هذا الباب فكرهت طائفة أن تقول صمت رمضان بل شهر رمضان واستهوى ذلك الكتاب اعتل بعضهم في ذلك برواية منحولة إلى ابن عباس: "رمضان اسم من أسماء الله" قالوا: ولذلك أضيف إليه الشهر وبعضهم يقول: إن رمضان من الرمضاء وهو الحر وتعلق الكراهية بذلك وبعضهم يقول: إن هذا استحباب واقتداء بلفظ القرآن وقد اعتنى بهذه المسألة أبو عبد الرحمن النسائي لعلمه وحذقه فقال: "في السن: "باب جواز أن يقال دخل رمضان أو صمت رمضان" وكذلك فعل البخاري وأورد الحديث المتقدم "من صام رمضان" وإذا أردت معرفة الحكمة والتحقيق في هذه النكتة فقد تقدم أن الفعل إذا وقع على هذه الأسماء الأعلام فإنه يتناول جميعها ولا يكون ظرفا مقدرا ب في حتى يذكر لفظ الشهر أو اليوم الذي أصله أن يكون ظرفا وأما الاسم العلم فلا أصل له في الظرفية وإذا ثبت هذا فقول الله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فيه فائدتان أو أكثر إحداهما أنه لو قال رمضان الذي أنزل فيه القرآن لاقتضى اللفظ وقوع الإنزال على جميعه كما تقدم من قول سيبويه وهذا خلاف المعنى لأن الإنزال كان في ليلة واحدة منه في ساعة منها فكيف يتناول جميع الشهر وكان ذكر الشهر الذي هو غير علم موافقا للمعنى كما تقول سرت في شهر كذا فلا يكون السير متناولا لجميع الشهر الفائدة الأخرى: أنه لو قال: رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم لكان حكم المدح والتعظيم مقصورا على شهر بعينه إذ قد تقدم أن هذا الاسم وما هو مثله إذا لم تقترن به قرينة تدل على توالي الأعوام التي هو فيها

الصفحة 104