كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)
لم يكن محله إلا العام الذي أنت فيه أو العام المذكور قبله فكان ذكر الشهر الذي هو الهلال في الحقيقة كما قال الشاعر:
والشهر مثل قلامة الظفر
يريد الهلال مقتضيا لتعليق الحكم الذي هو التعظيم بالهلال والشهر المسمى بهذا الاسم متى كان في أي عام كان مع أن رمضان وما كان مثله لا يكون معرفة في مثل هذا الموطن لأنه لم يرد لعام بعينه ألا ترى أن الآية في سورة البقرة وهي من آخر ما نزل وقد كان القرآن أنزل قبل ذلك بسنين ولو قلت رمضان حج فيه زيد تريد فيما سلف لقيل لك أي رمضان كان ولزمك أن تقول حج في رمضان من الرمضانيات حتى تريد عاما بعينه كما سبق وفائدة ثالثة: في ذكر الشهر وهو التبيين في الأيام المعدودات لأن الأيام تبين بالأيام وبالشهر ونحوه ولا تبين بلفظ رمضان لأن لفظه مأخوذ من مادة أخرى وهو أيضا علم فلا ينبغي أن يبين به الأيام المعدودات حتى يذكر الشهر الذي هو في معناها ثم تضاف إليه وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان" ففي حذف الشهر فائدة أيضا وهي: تناول الصيام لجميع الشهر فلو قال: من صام أو قام شهر رمضان لصار ظرفا مقدرا بفي ولم يتناول القيام والصيام جميعه فرمضان في الحديث مفعول على السعة نحو قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} لأنه لو كان ظرفا لم يحتج إلى قوله: {إِلا قَلِيلاً} فإن قيل: فينبغي أن يكون قوله من قام رمضان مقصورا على العام الذي هو فيه لما تقدم من قولكم أنه إنما يكون معرفة علما إذا أردته لعامك أو لعام بعينه قيل قوله من صام رمضان على العموم خطاب لكل فرد ولأهل كل عام فصار بمنزلة قولك من صام كل عام رمضان كما تقول إن جئتني كل يوم سحر أعطيتك فقد مر قرينة تدل على التمادي تنوب مناب ذكر كل عام وقد اتضح الفرق بين الحديثين والآية "فإذا" فهمت فرق ما بينهما بعد تأمل هذه الفصول وتدبرها ثم لم تعدل عندك هذه الفائدة جميع الدنيا بأسرها فما قدرتها حق قدرها والله المستعان على واجب شكرها هذا نص كلام السهيلي بحروفه ثم قال:
الصفحة 105
290