كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)
مصدرا قيل لأنك إذا قلت ذات يوم علم أنك تريد يوما واحدا وقد اختزل المصدر ولم يبق إلا لفظ اليوم مع الذات فمن ثم أعربوه ظرفا وسر المسألة في اللغة ما تقدم وأما مرة فإن أردت بها فعلة واحدة من مرور الزمان فهي ظرف زمان وإن أردت بها فعلة واحدة من المصدر مثل قولك لقيته مرة أي لقية فهي مصدر وعبرت عنها بالمرة لأنك لما قطعت اللقاء ولم تصله بالدوام صار بمنزلة شيء مررت به ولم تقم عنده فإذا جعلت المرة ظرفا فاللفظ حقيقة لأنها من مرور الزمان وإذا جعلتها مصدرا فاللفظ مجاز إلا أن تقول مررت مرة فيكون حينئذ حقيقة.
فصل:
ومن هذا القبيل جلست خلفك وأمامك وفوق وتحت وعندك في معنى القرب لأنها من لفظ العند قال الراجز:
وكل شيء قد يحب ولده ... حتى الحبارى فتطير عنده
أي إلى جنبه وهذه الألفاظ غير خاف أنها مأخوذة من لفظ الفعل فخلف من خلفت وقدام من تقدمت وفوق من فقت وأمام من أممت أي قصدت وكذلك سائرها إلا أنهم لم يستعملوا فعلا من تحت ولكنها مصدر في الأصل أميت فعله وإذا كان الأمر فيها كذلك فقد صارت كقبل وبعد في الزمان وقريب وصار فيها كلها معنى الوصف فلذلك عمل الفعل فيها بنفسه كما يعمل فيما هو وصف للمصدر أو وصف للفاعل أو المفعول به لأن الوصف هو الموصوف في المعنى فلا يعمل الفعل إلا في هذه الثلاثة أو ما هو في معناها لأنها لا تدل بلفظها إلا عليها كما تقدم فقد بان لك أنه لم يمتنع الإخبار عنها ولا دخول الجار عليها من جهة الإبهام كما قالوه لأنه لا فرق بينهما وبين غير المبهم في انقطاع دلالة الفعل عنها إذ لا يدل
الصفحة 109
290