كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

وقولك الحق" ثم قال: ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق " رواه البخاري ومسلم فلم يدخل الألف واللام على الأسماء المحدثة وأدخلها على اسم الرب تعالى ووعده وكلامه فإذا عرفت هذا فلو قال اهدنا صراطا مستقيما لكان الداعي إنما يطلب الهداية إلى صراط ما مستقيم على الإطلاق وليس المراد ذلك بل المراد الهداية إلى الصراط المعين الذي نصبه الله تعالى لأهل نعمته وجعله طريقا إلى رضوانه وجنته وهو دينه الذي لا دين له سواه فالمطلوب أمر معين في الخارج والذهن لا شيء مطلق منكر واللام هنا للعهد العلمي الذهني وهو أنه طلب الهداية إلى سر معهود قد قام في القلوب معرفته والتصديق به وتميزه عن سائر طرق الضلال فلم يكن بد من التعريف فإن قيل: لم جاء منكرا في قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله تعالى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فالجواب عن هذه المواضع بجواب واحد وهو أنها ليست في مقام الدعاء والطلب وإنما هي في مقام الإخبار من الله تعالى عن هدايته إلى صراط مستقيم وهداية رسوله إليه ولم يكن للمخاطبين عهد به ولم يكن معروفا لهم فلم يجيء معرفا بلام العهد المشيرة إلى معروف في ذهن المخاطب قائم في خلده ولا تقدمه في اللفظ معهود تكون اللام معروفة إليه وإنما تأتي لام العهد في أحد هذين الموضعين أعني أن يكون لها معهود ذهني أو ذكر لفظي وإذ لا واحد منهما في هذه المواضع فالتنكير هو الأصل وهذا بخلاف قوله اهدنا الصراط المستقيم فإنه لما تقرر عند المخاطبين أن لله صراطا مستقيما هدي إليه أنبياءه ورسله وكان المخاطب سبحانه المسئول من هدايته عالما به دخلت اللام عليه فقال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وقال السهيلي: إن قوله تعالى: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} نزلت في صلح الحديبية وكان المسلمون قد كرهوا ذلك الصلح ورأوا أن الرأي خلافه وكان الله تعالى عما يقولون ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فلم يرد صراطا مستقيما

الصفحة 13