كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فإن التعريف في قوة الحصر فكأنه قيل الذي لا صراط مستقيم سواه وفهم هذا الاختصاص من اللفظ أقوى من فهم المشاركة فتأمله هنا وفي نظائره
فصل:
وأما المسألة الثالثة: وهي اشتقاق الصراط فالمشهور أنه من صرطت الشيء أصرطه إذا بلعته بلعا سهلا فسمي الطريق صراطا لأنه يسترط المارة فيه والصراط ما جمع خمسة أوصاف أن يكون طريقا مستقيما سهلا مسلوكا واسعا موصلا إلى المقصود فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطا ولا الصعب المشتق ولا المسدود غير الموصول ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم واستعمالهم تبين له ذلك قال جرير:
أمير المؤمنين على صراط ... إذا أعوج الموارد مستقيم
وبنوا الصراط على زنة فعال لأنه مشتمل على سالكه اشتمال الحلق على الشيء المسروط وهذا الوزن كثير في المشتملات على الأشياء كاللحاف والخمار والرداء والغطاء والفراش والكتاب إلى سائر الباب يأتي لثلاثة معان أحدها: المصدر كالقتال والضراب والثاني: المفعول نحو الكتاب والبناء والغراس والثالث: أنه يقصد به قصد الآلة التي يحصل بها الفعل ويقع بها كالخمار والغطاء والسداد لما يخمر به ويغطى ويسد به فهذا آلة محضة والمفعول هو الشيء المخمر والمغطى والمسدود ومن هذا القسم الثالث إله بمعنى مألوه وأما ذكره له بلفظ الطريق في سورة الأحقاف خاصة فهذا حكاية الله تعالى لكلام مؤمني الجن أنهم قالوا لقومهم: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} وتعبيرهم عنه هاهنا بالطريق فيه نكتة بديعة وهي أنهم قدموا قبله ذكر موسى وأن الكتاب الذي سمعوه مصدقا لما بين يديه من كتاب موسى وغيره فكان فيه كالنبأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لقومه: {مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي لم أكن أول

الصفحة 16