كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فكفر اليهود نشأ من عدم إرادة الحق والعمل به وإيثار غير عليه بعد معرفته فلم يكن ضلالا محضا وكفر النصارى نشأ من جهلهم بالحق وضلالهم فيه فإذا تبين لهم وآثروا الباطل عليه أشبهوا الأمة الغضبية وبقوا مغضوبا عليهم ضالين ثم لما كان الهدى والفلاح والسعادة لا سبيل إلى نيله إلا بمعرفة الحق وإيثاره على غيره وكان الجهل يمنع العبد من معرفته بالحق والبغي يمنعه من إرادته كان العبد أحوج شيء إلى أن يسأل الله تعالى كل وقت أن يهديه الصراط المستقيم تعريفا وبيانا وإرشادا وإلهاما وتوفيقا وإعانة فيعلمه ويعرفه ثم يجعله مريدا له قاصدا لاتباعه فيخرج بذلك عن طريقة المغضوب عليهم الذين عدلوا عنه على عمد وعلم والضالين الذين عدلوا عنه عن جهل وضلال كان السلف يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى وهذا كما قالوا فإن من فسد من العلماء فاستعمل أخلاق اليهود من تحريف الكلم عن مواضعه وكتمان ما أنزل الله إذا كان فيه فوات غرضه وحسد من آتاه الله من فضله وطلب قتله وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ويدعونهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم إلى غير ذلك من الأخلاق التي ذم بها اليهود من الكفر واللي والكتمان والتحريف والتحيل على المحارم وتلبيس الحق بالباطل فهذا شبهه باليهود ظاهر وأما من فسد من العباد فعبد الله بمقتضى هواه لا بما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم وغلا في الشيوخ فأنزلهم منزلة الربوبية وجاوز ذلك إلى نوع من الحلول أو الإتحاد فشبهه بالنصارى ظاهر فعلى المسلم أن يبعد من هذين الشبهين غاية البعد ومن تصور الشبهين والوصفين وعلم أحوال الخلق علم ضرورته وفاقته إلى هذا الدعاء الذي ليس للعبد دعاء أنفع منه ولا أوجب منه عليه وأن حاجته إليه أعظم من حاجته إلى الحياة والنفس لأن غاية ما يقدر بفوتهما موته وهذا يحصل له بفوته شقاوة الأبد فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين إنه قريب مجيب فصل تقديم {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ والضالين} .آمين إنه قريب مجيب.

الصفحة 32