كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

ذلك من الثناء على الرب بسعة مجده وكثرة عبيده وكثرة سائليه الهداية ما لا يتضمنه لفظ الإفراد فتأمله وإذا تأملت أدعية القرآن رأيت عامتها على هذا النمط نحو: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ونحو دعاء آخر البقرة وآخر آل عمران وأولها وهو أكثر أدعية القرآن الكريم.
فصل:
المسألة العشرون: وهي ما هو الصراط المستقيم فنذكر فيه قولا وجيزا فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فيه وترجمتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته وحقيقته شيء واحد وهو طريق الله الذي نصه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلا لعباده إليه ولا طريق لهم إليه سواه بل الطرق كلها مسدودة إلا هذا وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة فلا يشرك به أحدا في عبوديته ولا يشرك برسوله أحدا في طاعته فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول وهذا معنى قول بعض العارفين: "إن السعادة والفلاح كله مجموع في شيئين صدق محبته وحسن معاملته" وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأي شيء فسر به الصراط فهو داخل في هذين الأصلين ونكتة ذلك وعقده أن تحبه بقلبك كله وترضيه بجهدك كله فلا يكون في قلبك موضع إلا معمور بحبه ولا تكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته الأول يحصل بالتحقيق بشهادة أن لا إله إلا الله والثاني يحصل بالتحقيق بشهادة أن محمدا رسول الله وهذا هو الهادي ودين الحق وهو معرفة الحق والعمل له وهو معرفة ما بعث الله به رسله والقيام به فقل ما شئت من العبارات التي هذا أحسنها وقطب رحاها وهي معنى قول من قال علوم وأعمال ظاهرة وباطنة مستفادة من مشكاة النبوة ومعنى قول من قال: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا علما وعملا

الصفحة 40