كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فائدة بديعة:
قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} من باب بدل الاشتمال والسؤال إنما وقع عن القتال فيه فلم قدم الشهر وقد قلتم إنهم يقدمون ما هم ببيانه أهم وهم به أعنى قيل السؤال لم يقع منهم إلا بعد وقوع القتال في الشهر وتشنيع أعدائهم عليهم وانتهاك حرمته فكان اعتناؤهم واهتمامهم بالشهر فوق اهتمامهم بالقتال فالسؤال إنما وقع من أجل حرمة الشهر فلذلك قدم في الذكر وكان تقديمه مطابقا لما ذكرنا من القاعدة فإن قيل: فما الفائدة في إعادة ذكر القتال بلفظ الظاهر وهلا اكتفى بضميره فقال قل هو كبير وأنت إذا قلت سألته عن زيد أهو في الدار كان أوجز من أن تقول أزيد في الدار قيل في إعادته بلفظ الظاهر نكتة بديعة وهي تعلق الحكم الخبري باسم القتال فيه عموما ولو أتى بالمضمر وقال هو كبير لتوهم اختصاص الحكم بذلك القتال المسئول عنه وليس الأمر كذلك وإنما هو عام في كل قتال وقع في شهر حرام ونظير هذه الفائدة قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته " صحيح فأعاد لفظ الماء ولم يقتصر على قوله: "نعم توضئوا به" لئلا يتوهم اختصاص الحكم بالسائلين لضرب من ضروب الاختصاص فعدل عن قوله: "نعم توضئوا" إلى جواب عام يقتضي تعلق الحكم والطهور به بنفس مائه من حيث هو فأفاد استمرار الحكم على الدوام وتعلقه بعموم الآية وبطل توهم قصره على السبب فتأمله فإنه بديع فكذلك في الآية لما قال قتال فيه كبير فجعل الخبر بكبير واقعا على قتال فيه فيطلق الحكم به على العموم ولفظ المضمر لا يقتضي ذلك وقريب من هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} ولم يقل

الصفحة 47