كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

لا يقوى على العمل في الفعلين فإن العامل في المعطوف والمعطوف عليه واحد ولا يخفى فساد هذا الجواب فإنه منتقض بالطم والرم مما يعطف فيه المضارع على مثله كقوله: زيد يذهب ويركب وإنما يذهب ويخرج زيد وأمثال ذلك فالجواب الصحيح أن يقال المراد ما في المصدر من الدلالة على ثبوت نفس الحدث وتعليق الحكم به دون تقييده بزمان دون زمان فلو أتى الفعل المقيد بالزمان لفات الغرض ألا ترى أن قولها ولبس عباءة وتقر عيني المراد به حصول نفس اللبس مع كونها تقر عينها كل وقت شيئا بعد شيء فقرة العين مطلوب تجددها بحسب تجدد الأوقات وليس هذا مرادا في لبس العباءة وكذا قولك آكل الشعير وأكف وجهي عن الناس أحب إلى من أكل البر وأبذل وجهي لهم أفلا ترى تفضيل أكل الشعير على أكل البر ويدوم له كف وجهه عن الناس كما أن تلك فضلت لبس العباءة على لبس الشفوف وتدوم لها قرة العين فعلمت أن المقصود ماهية المصدر وحقيقته لا تقييده بزمان دون زمان ولما كانت أن والفعل تقع موقع المصدر ويؤولان به في الإخبار عنهما كما يخبر عن الاسم نحو قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} أي صيامكم أول المصدر ب أن والفعل في صحة عطف الفعل عليه وهذا من باب المقابلة والموازنة وقد جاء عطف الفعل على الاسم إذا كان فيه معنى الفعل نحو: صافات ويقبضن وإن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله تعالى ومنه وجيها ومن المقربين ويكلم الناس في المهد لأن الاسم المعطوف عليه لما كان حاملا للضمير صار بمنزلة الفعل ولو كان مصدرا لم يجز عطف الفعل عليه إلا بإضمار أن لأن المصادر لا تتحمل الضمائر فإن قيل: فلم جاز عطف الفعل على الاسم الحامل للضمير ولم يعطف الاسم على الفعل فتقول مررت برجل يقعد وقائم كما تقول قائم ويقعد قيل: هذا سؤال قوي ولما رأى بعض النحاة أنه لا فرق بينهما أجاز ذلك وهو الزجاج فإنه أجازه في معاني القرآن والصحيح أنه قبيح والفرق بينهما أنك إذا عطفت الفعل على الاسم المشتق منه رددت الفرع إلى الأصل لأن الاسم أصل الفعل والفعل متفرع عنه

الصفحة 50