كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

ما دخلت عليه كالضربة من الضرب وحذفها في هذا الباب وفي أكثر الأبواب يدل على انتفاء النهاية ألا ترى أن الضرب يقع على القليل والكثير إلى غير نهاية وإنما استحقت التاء ذلك لأن مخرجها منتهى الصوت وغايته فصلحت للغايات ولذلك قالوا: علامة ونسابة أي غاية في هذا الوصف فإذا عرفت هذا فالجمال والكمال كالجنس العام من حيث لم تكن فيه التاء المخصوصة بالتحديد والنهاية وقولك ملح ملاحة وفصح فصاحة هو على وزنه إلا في التاء لأن الفصاحة خصلة من خصال الكمال وكذلك الملاحة فحددت بالتاء لأنها ليست بجنس عام كالكمال والجمال فصارت كباب الضربة والثمرة من الضرب والثمر ألا ترى إلى قول خالد بن صفوان وقد قالت له امرأته إنك لجميل فقال أتقولين ذلك وليس عندي عمود الجمال ولا رداؤه ولا برنسه ولكن قولي إنك لمليح ظريف فجعل الملاحة خصلة من خصال الجمال فبان صحة ما قلناه وعلى هذا قالوا الحلاوة والأصالة والرجاحة والرزانة والمهابة وفي ضد ذلك السفاهة والوضاعة والحماقة والرذالة لأنها كلها خصال محدودة بالإضافة إلى السفال الذي هو في مقابلة العلاء والكمال لأنه جنس يجمع الأنواع التي تحته وهذا هو الأصل في هذا الباب فمتى شذ عنه منه شيء فلمانع وحكمة أخرى كقولهم شرف الرجل شرفا ولم يقولوا شرافا لأن الشرف رفعه في آبائه وهو شيء خارج عنه بخلاف كمل كمالا وجمل جمالا فإنه جماله وكماله وصف قائم به وهذا لأنه شرف مستعار من شرف الأرض وهو ما ارتفع منها فاستعير للرجل الرفيع في قومه كأن آباءه الذين ذكر بهم وارتفع بسببهم شرف له وكذلك قولهم في هذا الباب الحسب لأنه من باب القبص والنقص لا من باب المصادر لأن الحسب ما يحسبه الإنسان ويعده لنفسه من الخصال الحميدة والأخلاق الشريفة واستحق الاسم الشامل في هذا الباب اسم الفعال بفتح الفاء والعين وبعدهما ألف وهي فتح ليكون اللفظ الذي يتوالى فيه الفتح موازنا لانفتاح المعنى واتساعه ولذلك أطرد في الجمع الكثير

الصفحة 52