كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فائدة:
الاختيار تقديم المجرور في باب اخترت وتأخير المفعول المجرد عن حرف الجر فتقول اخترت من الرجال زيدا ويجوز فيه التأخير فإذا أسقطت الحرف لم يحسن تأخير ما كان مجرورا به في الأصل فيقبح أن تقول اخترت زيدا الرجال واخترت عشرة الرجال أي من الرجال لما يوهم من كون المجرور في موضع النعت للعشرة وأنه ليس في موضع المفعول الثاني وأيضا فإن الرجال معرفة فهو أحق بالتقديم للاهتمام به كما لزم في تقديم المجرور الذي هو خبر عن النكرة من قولك في الدار رجل لكون المجرور معرفة وكأنه المخبر عنه فإذا حذفت حرف الجر لم يكن بد من التقديم للاسم الذي كان مجرورا نحو اخترت الرجال عشرة والحكمة في ذلك أن المعنى الداعي الذي من أجله حذف حرف الجر هو معنى غير لفظ فلم يقو على حذف حرف الجر إلا مع اتصاله به وقربه منه ووجه ثان وهو أن القليل الذي اختير من الكثير إذا كان مما يتبعض ثم ولي الفعل الذي هو اخترت توهم أنه مختار منه أيضا لأن كل ما يتبعض يجوز فيه أن يختار وأن يختار منه فألزموه التأخير وقدموا الاسم المختار منه وكان أولى بذلك لما سبق من القول فإن كان مما لا يتبعض نحو زيد وعمرو فربما جاز على قلة في الكلام نحو قول الشاعر:
ومنا الذي اختير الرجال سماحة
وليس هذا كقولك اخترت فرسا الخيل لأن الفرس اسم جنس فقد يتبعض مثله ويختار منه وزيد من حيث كان جسما يتبعض ومن حيث كان علما على شيء بعينه لا يتبعض فتأمل هذا الموضع.

الصفحة 57