كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فائدة بديعة:
قولهم استغفر زيد ربه ذنبه فيه ثلاث أوجه أحدها: هذا والثاني: استغفره من ذنبه والثالث: استغفر لذنبه وهذا موضع يحتاج إلى تدقيق نظر وأنه هل الأصل حرف الجر وسقوطه داخل عليه أو الأصل سقوطه وتعديه بنفسه وتعديته بالحرف مضمن هذا مما ينبغي تحقيقه قال السهيلي: "الأصل فيه سقوط حرف الجر وأن يكون الذنب نفسه مفعولا باستغفر غير متعد بحرف الجر لأنه من غفرت الشيء إذا غطيته وسترته مع أن الاسم الأول هو فاعل بالحقيقة وهو الغافر" ثم أورد على نفسه سؤالا فقال: "فإن قيل: فإن كان سقوط حرف الجر هو الأصل فيلزمكم أن تكون من زائدة كما قال الكسائي" وقد قال سيبويه والزجاج: "إن الأصل حرف الجر ثم حذف فنصب الفعل وأجاب بأن سقوط حرف الجر أصل في الفعل المشتق منه نحو غفر وأما استغفر ففي ضمن الكلام ما لا بد منه من حرف الجر لأنك لا تطلب عفوا مجردا من معنى التوبة والخروج من الذنب وإنما تريد بالاستغفار خروجا من الذنب وتطهيرا منه فلزمت من في هذا الكلام لهذا المعنى فهي متعلقة بالمعنى لا بنفس اللفظ فإن حذفتها تعدى الفعل فنصب وكان بمنزلة أمرتك الخير فإن قيل: فما قولكم في نحو قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} قلنا هي متعلقة بمعنى الإنقاذ والإخراج من الذنوب فدخلت من لتؤذن بهذا المعنى ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيث يذكر الفاعل والمفعول الذي هو الذنب نحو قوله: (لكم) لأنه المنقذ المخرج من الذنوب بالإيمان ولو قلت: يغفر من ذنوبكم دون أن يذكر الاسم المجرور لم يحسن إلا على معنى التبعيض لأن الفعل الذي كان في ضمن

الصفحة 58