كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

الكلام وهو الإنقاذ قد ذهب بذهاب الاسم الذي هو واقع عليه فإن قلت: فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} وفي سورة الصف {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فما الحكمة في سقوطها هنا وما الفرق قلت: هذا إخبار عن المؤمنين الذين سبق لهم الإنقاذ من ذنوب الكفر بإيمانهم ثم وعدوا على الجهاد بغفران ما اكتسبوا في الإسلام من الذنوب وهي غير محبطة كإحباط الكفر المهلك للكافر فلم يتضمن الغفران معنى الإستنقاذ إذ ليس ثم إحاطة من الذنب بالمذنب وإنما يتضمن معنى الإذهاب والإبطال للذنوب لأن الحسنات يذهبن السيئات بخلاف الآيتين المتقدمتين فإنهما خطاب للمشركين وأمر لهم بما ينقذهم ويخلصهم مما أحاط بهم من الذنوب وهو الكفر ففي ضمن ذلك الإعلام والإشارة بأنهم واقعون في مهلكة قد أحاطت بهم وأن لا ينقذهم منها إلا المغفرة المتضمنة للإنقاذ الذي هو أخص من الإبطال والإذهاب وأما المؤمنون فقد أنقذوا وأما قوله تعالى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} فهي في موضع من التي للتبعيض لأن الآية في سياق ثواب الصدقة فإنه قال إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والصدقة لا تذهب جميع الذنوب ومن هذا النحو قوله صلى الله عليه وسلم: "فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " رواه مسلم والترمذي وللبخاري نحوه فأدخل عن في الكلام إيذانا بمعنى الخروج عن اليمين لما ذكر الفاعل وهو الخارج فكأنه قال فليخرج بالكفارة عن يمينه ولما لم يذكر الفاعل المكفر في قوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} ولم يذكر من وأضاف الكفارة إلى الأيمان وذلك من إضافة المصدر إلى المفعول وإن كانت الأيمان لا تكفر وإنما يكفر الحنث والإثم ولكن الكفارة حل لعقد اليمين فمن هنالك أضيفت إلى اليمين كما يضاف الحل إلى العقد إذ اليمين عقد والكفارة حل له والله أعلم.

الصفحة 59