كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

هو التركيب وهو متعلق العلم فإن قلت: علمت فمطلوبها ثلاثة معان محل وصفة وإضافة الصفة إلى المحل وهن ثلاث معلومات إضافة العلم لله لا المعرفة إذا عرفت هذا فقال بعض المتكلمين: لا يضاف إلى الله سبحانه إلا العلم لا المعرفة لأن علمه متعلق بالأشياء كلها مركبها ومفردها تعلقا واحدا بخلاف علم المحدثين فإن معرفتهم بالشيء المفرد وعلمهم به غير علمهم ومعرفتهم لشيء آخر وهذا بناء منه على أن الله تعالى يعلم المعلومات كلها بعلم واحد وأن علمه بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين علمه بكذب مسيلمة الكذاب والذي عليه محققو النظار خلاف هذا القول وأن العلوم متكثرة متغايرة بتكثر المعلومات وتغايرها فلكل معلوم علم يخصه ولإبطال قول أولئك وذكر الأدلة الراجحة على صحة قول هؤلاء مكان هو أليق به وعلى هذا فالفرق بين إضافة العلم إليه تعالى وعدم إضافة المعرفة لا ترجع إلى الإفراد والتركيب في متعلق العلم وإنما ترجع إلى نفس المعرفة ومعناها فإنها في مجاري استعمالها إنما تستعمل فيما سبق تصوره من نسيان أو ذهول أو عزوف عن القلب فإذا تصور وحصل في الذهن قيل عرفه أو وصف له صفته ولم يره فإذا رآه بتلك الصفة وتعينت فيه قيل عرفه ألا ترى أنك إذا غاب عنك وجه الرجل ثم رأيته بعد زمان فتبينت أنه هو قلت عرفته وكذلك عرفت اللفظة وعرفت الديار وعرفت المنزل وعرفت الطريق " وسر المسألة" أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه فالمعرفة تمييز له وتعيين ومن هذا قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فإنهم كان عندهم من صفته قبل أن يروه ما طابق شخصه عند رؤيته وجاء كما يعرفون أبناءهم من باب ازدواج الكلام وتشبيه أحد اليقينين بالآخر فتأمله وقد بسطنا هذا في كتاب التحفة المكية وذكرنا فيها من الأسرار والفوائد ما لا يكاد يشتمل عليه مصنف وأما ما زعموا من قولهم إن علمت قد يكون بمعنى عرفت واستشهادهم بنحو قوله تعالى: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} وبقوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} فالذي دعاهم إلى ذلك أنهم رأوا

الصفحة 62