كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

كأنك قلت ظننت هذا الحديث فلم تعملها لفظا وإنما أعملتها معنى إعمال إن وأخواتها ومن هذا الباب إعمالهم إن وأخواتها وإنما دخلت لمعان في الجملة والحدث ألا ترى إن وأخواتها كلمات يصح الوقف عليها لأن حروفها ثلاثة فصاعدا كما قال الشاعر:
ليت شعري وأين مني ليت
وقال حبيب:
عسى وظن يدنو بهم ولعلما
وإذا كان هذا حكمها فلو رفع بعدها على الأصل بالابتداء لم يظهر تشبثها بالحديث الذي دخلت لمعنى فيه فكان إعمالهم في الاسم المبتدأ إظهارا لتشبثها بالجملة كي لا يتوهم انقطاعها عنها وكان عملها نصبا لأن المعاني التي تضمنتها لو لفظ بها لنصبت نحو أؤكد وأترجى وأتمنى وليست هذه المعاني مضافة إلى الاسم المخبر عنه ولكن الحديث هو المؤكد والمتمنى والمترجى فكان عملها نصبا بها وبقي الاسم الآخر مرفوعا لم تعمل فيه حيث لم تكن أفعالا كعلمت وظننت فتعمل في الجملة كلها وأيضا أرادوا إظهار تشبثها بالجملة فاكتفوا بتأثيرها في الاسم الأول يدلك على أنها لم تعمل في الاسم الثاني أنه لا يليها لأنه لا يلي العامل ما عمل فيه غيره فلو عملت فيه لوليها كما يلي كان خبرها ويلي الفعل مفعوله نعم ومن العرب من أعملها في الاسمين جميعا وهو أقوى في القياس لأنها دخلت لمعان في الجملة فليس أحد الاسمين أولى بأن تعمل فيه من الآخر قال:
إن العجوز حية حزوزا
...
تأكل كل ليلة قفيزا
وقال:
كان أذنيه إذ تشوفا
...
قادمة أو قلما محرفا
وليس هذا من باب حذف فعل التشبيه كما قال بعضهم: فإن هذا لغة قائمة بنفسها معاني هذه الحروف واعلم أن معاني هذه الحروف لا تعمل في حال ولا ظرف ولا يتعلق بها مجرور لأنها معان في نفس المتكلم كالاستفهام والنفي والمعاني التي جعلت الحروف أمارات لها وليس لها وجود في اللفظ فإذا قلت هل زيد قائم فمعناه

الصفحة 66